مقاطعة داعمي الاحتلال... من الصدى إلى الدويّ والأثر
شركات عالمية ضخمة سجلت تراجعات لافتة في الأرباح والمبيعات والتوقعات
• الحملة قيدت دعم الشركات للاحتلال وأجبرتها على التبرير بـ «الفهم الخاطئ للأحداث»
لم يكن أكثر المتفائلين أو الداعمين لحملات مقاطعة بضائع الشركات الداعمة لكيان الاحتلال الإسرائيلي يتوقع أن تتجاوز آثارها مجرد «الصدى» لحالة التضامن مع القضية الفلسطينية والدعم لصمود غزة وأهاليها ومقاومتها في وجه العدوان المتواصل، بغضّ النظر عن عملية طوفان الأقصى وتداعياتها.
إلا أن تفاعلات هذه الحملة، بعد نحو 4 أشهر من عودتها الى واجهة الأحداث، بيّنت أنها تتجاوز بكثير توقعات المتفاعلين، إذ تطورت من مجرد «صدى» للتضامن مع القضية الفلسطينية الى صوت اعتراض تمثّل في تسويق «فعل» المقاطعة، حيث يسمع حتى خارج الدول العربية والإسلامية، وصولا إلى «أثر» في أروقة بورصات الأسهم العالمية، وعلى رأسها «وول ستريت»، بعد أن بيّنت النتائج الفصلية لعدد من الشركات العالمية الداعمة للاحتلال تراجعا لافتا في أعمالها وتوقّعاتها وأرباحها وقيمتها السوقية، حيث كانت المقاطعة، أو ما يُعرف في لغة بعض الشركات المتضررة بـ «توترات الأوضاع في غزة»، لاعبا أساسيا من ضمن العوامل التي أدت دورا في انخفاض بياناتها المالية.
مقاطعة ومنافسة
فقد أشارت شركة الوجبات السريعة الأشهر (ماكدونالدز)، بصراحة، من خلال تعليقات رئيسها التنفيذي، كريس كيمبكزينسكي، إلى أن المقاطعة في منطقة الشرق الأوسط (الى جانب الهند والصين) أدّت دورا مهما في تحقيق نمو المبيعات عند 0.7 بالمئة، بينما كان المتوقع تحقيقه يصل الى 5.5 بالمئة، وهو أبطأ نمو في المبيعات منذ جائحة كورونا، بل إن متاجر «ماكدونالدز» في الولايات المتحدة نفسها شهدت تراجعا خلال أشهر أكتوبر ونوفمبر وديسمبر من العام الماضي على أساس سنوي بواقع 13 و4.4 و4.9 بالمئة على التوالي.
دون التوقعات
أما شركة المقاهي الأكبر عالمياً (ستاربكس)، فقد اشتكى رئيسها التنفيذي، لاكسمان ناراسيمهان، من آثار المقاطعة في الولايات المتحدة والشرق الأوسط، الى جانب المنافسة بالصين، حيث سجلت سلسلة المقاهي نموًا فصليا في مبيعات المتاجر الدولية بنسبة 7 بالمئة، أي أقل من توقعاتها البالغة 13.2 بالمئة، وبلغت ربحية سهم الشركة 90 سنتًا مقابل 93 كانت متوقعة، رغم ارتفاع أرباحها الى مليار دولار من 855 مليونا في الربع المقارن.
بالتوازي مع الاستخدام الحصيف لوسائل التواصل فتحت المقاطعة المجال لمزاحمة الرواية الصهيونية بشأن فلسطين
وقال ناراسيمهان، صراحة، إن المبيعات في الشرق الأوسط تراجعت على خلفية توسّع تداعيات الحرب على غزة.
مبيعات وتوقعات
أما شركة يام براندز، التي تمتلك علامات تجارية واسعة الانتشار، مثل «تاكو بل» و»كيه. إف. سي»، و»بيتزا هت»، فقد أعلنت عن أعمال فصلية في الربع الرابع دون التوقعات، نتيجة تراجع مبيعات الشركة في الربع الرابع من العام المنصرم 10 بالمئة، بعدما أثّر الصراع على أعمالها في الشرق الأوسط وأسواق إسلامية أخرى، مثل ماليزيا وإندونيسيا، الى جانب ضعف الاستهلاك في أميركا، وفق بيانات «رويترز».
كما ارتفع إجمالي مبيعات «يام براندز» 1 بالمئة في الربع الرابع على أساس سنوي، وهو أقل من توقعات مجموعة بورصات لندن عند 3.9 بالمئة.
توترات وإنفاق
في حين أعلنت شركة أميركانا للمطاعم، وهي شركة مدرجة في بورصتَي السعودية وأبوظبي، ولديها عقود فرنشايز لعلامات هارديز وبيتزا هت وكنتاكي، وغيرها من العلامات الأخرى، عن تراجع أرباحها في الربع الرابع بـ 48 بالمئة إلى 32.8 مليون دولار، في حين أن توقعات المحللين كانت تشير الى تحقيق أرباح بنحو 70 مليونا لتلك الفترة، مشيرة الى أن أعمال الشركة تأثرت سلبا بما أسمته بـ «توترات الشرق الأوسط»، خصوصا في دول مثل الكويت وقطر الى جانب سلطنة عمان والأردن، أما مصر فكانت المقاطعة متداخلة مع مصاعب الوضع الاقتصادي وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي.
أثر وألم
وربما يتساءل البعض: ما الذي يمكن أن يؤثر فيه تراجع المبيعات أو التوقعات أو الأرباح، ما لم تتحول الى خسائر تؤلم الشركات الداعمة للاحتلال؟
«وول ستريت»: المقاطعة تجاوزت توقعات حتى المتفائلين بدخولها كعامل مؤثر في إعلانات أرباح شركات
وفي الحقيقة، فإن المقاطعة التجارية، بقدر ما أدت دورا موازيا في الضغط على البيانات المالية للشركات العالمية الداعمة للاحتلال والمنتشرة في أسواق ضخمة بعيدة عن القضية الفلسطينية، كالولايات المتحدة والصين وشرق آسيا والاتحاد الأوروبي، هو بالأصل عنصر يتجاوز التوقعات المتفائلة عند بداية المقاطعة، فإنّها على الصعيد المعنوي أو غير المالي ساهمت في تقييد دعم هذه الشركات للاحتلال، ومحاولة تبرير أفعالها السابقة، المعلنة والمباشرة والمستفزة، من خلال تصريحات لرؤسائها التنفيذيين، خصوصا «ستاربكس» و»ماكدونالدز»، اللذين تحدثا عن «معلومات مضللة وفهم خاطئ تجاه الأحداث في الشرق الأوسط ساهمت في الضغط على المبيعات»، وبالتالي نحن أمام أثر يقلّص أو يحدّ من الدعم العلني للاحتلال، طالما ارتبط الأمر بنتائجه العقابية على البيانات المالية المعلنة، أو المتوقع إعلانها خلال الأشهر القادمة.
وسائل التواصل
كذلك من المهم تأكيد أن المقاطعة التجارية، بالتوازي مع الاستخدام الحصيف لوسائل التواصل الاجتماعي، فتحت المجال لمزاحمة الرواية الصهيونية بشأن فلسطين، فأصبحت هناك فرص جديدة لشرح القضية وأصلها وتفاصيلها وأحداثها وأبعادها السياسية والتاريخية والإنسانية في مناطق جديدة بالنسبة إلى المستخدم العربي، وهذا ما يفتح المجال لفهم اتجاهات التأثير على منصات التواصل، واستخدامها لتسويق قضايا ومفاهيم تتعلق بقضايا المجتمعات ومستقبلها، والأهم عدم التعامل مع هذه المنصات كعدو أو خصم أو حتى مصدر تهديد.
فلسفة المقاطعة
ولا شك في أن النتائج المالية للشركات الداعمة للاحتلال تشير الى أهمية المقاطعة كتأثير مباشر على مديين قصير ومتوسط، لكنها على المدى الطويل تعطي إشارات أشمل حول فلسفة المقاطعة في تقنين السلوك الاستهلاكي، وتعزيز الصناعات الوطنية وفهم تصورات جيل الشباب المبادر بالمقاطعة في العديد من القضايا الأخرى التي تتعلق بالمستقبل وتحدياته.