يقول الكاتب الصحافي الشهير فؤاد الهاشم: «يسألني أصدقائي الإماراتيون ماذا بكم؟ لماذا أنتم على هذه الحال فالكويت كانت قدوتنا، وكانت هي الحلم الذي نريد أن نصل له في الرياضة في الثقافة، في الفن، في المسرح؟ ما الذي جرى لكم؟». ثم أردف الهاشم يقول: «وأنا قلت لهم أنا أتساءل مثلكم، والكويتيون يتساءلون ماذا جرى لنا؟ لماذا تدهور البلد من حال سيئ إلى أسوأ؟ لماذا أصبحنا في كثرة جدل وقلة عمل؟». ثم يتساءل الكاتب فؤاد الهاشم قائلا: «الدولار الذي يتسلمه أشقاؤنا في دول الخليج هو الدولار نفسه الذي نحصل عليه من بيعنا النفط، فلماذا دولارهم يبني لهم كل المشاريع ودولارنا لا نرى له أثراً؟!».
بصراحة استفزني هذا التساؤل الذي يتفجر عفوية وصدقاً وهنا سأحاول الإجابة عنه؟
في البداية سأنثر أمامكم مشاهد منها الدواوين التي يصطخب فيها النقاش حول زيادات المتقاعدين، وزيادة القَرْض الحسن ما بين 15 ضِعف الراتب أو 21 ضِعف الراتب، ويتداول الحضور احتمالات زيادة غلاء المعيشة، ولا ننسى أخبار البصمة في المدارس والتذمر من حُفر الشوارع واليأس من إصلاحها وفي وعيهم أن حل هذه المشكلات هو أقصى ما يحقق لهم طموحاتهم.
إذا نقلت النقاش والحوار مع هؤلاء إلى دائرة الإصلاح الذي يطول إصلاح الهيكل الاقتصادي بحيث تتوافر بدائل عن النفط كمصادر للدخل والقضاء على البطالة المقنعة التي وصلت إلى 80% والقضاء على خلل التركيبة السكانية بحيث نصل للنِسَب الصحية والمقبولة عالميا بعد أن نغرس العمالة الوطنية في القطاع الخاص، ناهيكم عن فك ارتباط الحكومة بتنفيذ وإدارة النشاطات الإنتاجية من صحة وتعليم وطاقة وماء وموانئ... إلخ وإيكالها للقطاع الخاص.
هذا الطرح لن تجد له آذاناً صاغية، ولن يكون أي من هذه الموضوعات ذا أهمية بعد ذلك لدى المرشحين لمجلس الأمة الذين يجب أن يكون تركيزهم على زيادات الرواتب وزيادة الميزات والتوظيف والنقل، لذلك بمجرد أن تم الحديث عن إعادة الانتخابات لمجلس الأمة القادم اشتعلت الإشاعات والنقاشات عن الزيادات في شكل إشاعات زيادة غلاء معيشة 60 ديناراً أو 80 ديناراً، وزيادة علاوات الأطفال تدل على عقلية عامة غير سوية وغير محكومة بمنطق واقعي يمكنها من عدم الربط بين الزيادة في الرواتب وبين حل الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وتجنب الكارثة الاقتصادية المعلقة على رؤوسنا التي ملخصها اعتمادنا على مصدر واحد هو النفط الذي تؤثر فيه بقوة كل التطورات السياسية والاقتصادية الجارية، وكل التطورات الصناعية والفنية المستقبلية القريبة والمتوسطة في ظل زحف عالم متسارع نحو الاستغناء عن النفط كمصدر للطاقة واعتماد الطاقة المتجددة النظيفة والطاقة الكهربائية في تسيير السيارات مما ستنهار معه أسعار النفط فتصل الى عشرة دولارات للبرميل وربما أقل.
وطيلة السنوات المنصرمة لم نستثمر الأموال الطائلة ونؤسس قاعدة اقتصادية منتجة تخلق بدائل للنفط وتحقق مبدأ الاستدامة في العملية التنموية في شكلها الشمولي الذي يمتد الى كل مناشط الحياة وعلى رأسها الخصخصة والتعليم!!
فالذي حدث عندنا هو نمو الاستهلاك وتغوُّله، والكارثة أن الأنشطة والقطاعات الأساسية لبناء رأس مالنا البشري والمادي عملت عكس قوانين الطبيعة ونواميس التطور عندما أنشأنا كائنا اقتصاديا عاما شَرِهاً للاستهلاك يتساند معه ويغذيه كيان خاص تجاري وصناعي يزيد في شهية الكائن الطفيلي للاستهلاك، بل هو ذاته تحول لكائن طفيلي استهلاكي يعيش على الإنفاق العام بلا دفع ضرائب، ولا توظيف عمالة وطنية، ولا تمويل أنشطة تنموية كالبعثات الدراسية وغيرها، وظهرت لنا من خلطة هذه العناصر لوحة سريالية من لوحات سلفادور دالي الكئيبة تجسد كائن العام الطفيلي مشوها شَرِها يغيب في عناق مع كائن طفيلي خاص أشد منه تشوهاً وحولهم أبقار عجفاء هزيلة ترضع نفسها، لا يوجد في ضروعها غير الدم وعلى ظهور الأبقار ساعات سوداء ذائبة تحسب دقائق الموت وعقاربها ترجع للوراء نحو السكون، ونحو بحيرات وآفاق من الملح وشمس شاحبة تهوي للمغيب.
هل تحرك هذه اللوحة الكئيبة المشؤومة الشعب والحكومة نحو رسم وإبداع لوحة «فان كوخ» امرأة تجلس في العشب والتي تموج خطوطها وألوانها بالتفاؤل والفأل الجميل؟