قدوة
كانت الشخصية الكويتية في فترة ما قبل النفط مثالاً يحتذى به في الشهامة والنزاهة ورباطة الجأش، حيث أُسست دولة الكويت الحديثة بفضل رجالاتها وسيداتها الأفاضل، فأتانا العصر الذهبي في فترة ما بين الخمسينيات إلى نهاية السبعينيات مع تحسن الوضع الاقتصادي، حيث أبدعت الشخصية الكويتية في شتى المجالات من أدب ورياضة وفنون، فكان لها نصيب الأسد من النجاحات والريادة في المنطقة بأكملها، وللأسف، بدأنا نشهد بعد ذلك انتشار الفساد في فترة الثمانينيات مصحوباً بموجة من التزمّت قيدت الإبداع، فأصبح الإنتاج الفكري والأدبي محدوداً نسبياً إذا ما قارناه بالحقبة السابقة، ثم أتانا الغزو العراقي الغاشم في 1990 فسبب لنا انتكاسة كبرى لم نبدأ بالنهوض منها إلا للتو.
أما الآن فنحن نعيش في عصر العولمة المنغمس في الثقافة الاستهلاكية والتمحور حول الذات، وأعتقد أن سرعة التغيرات التي سببها التطور التكنولوجي بالإضافة إلى صعوبة العقود الأخيرة أدت إلى شعور الكثيرين بالضياع والتخبط، فلا توجد رؤية واضحة للمستقبل أو أي تحسنات ملموسة، حيث غابت القدوة والدليل الذي يلهم الآخرين وينير لهم الطريق.
فللأسف، أصبحت الهوية الكويتية مقرونة بالـ«فاشنيستات» ومهرجي «السوشال ميديا» بعد أن كانت الدول الشقيقة تعرفنا وتستدل علينا من خلال إعلامنا الهادف والجميل وإرثنا الفني والثقافي المديد، فما
إن تذكر أنك من الكويت حينما تعرف بنفسك لأحدهم حتى يذكر لك أحد «مؤثري» التواصل الاجتماعي! لكن لحسن الحظ هنالك العديد من المؤثرين الحقيقيين في الكويت الذين يحتاجون تسليط الضوء عليهم، كي نقوم بتعزيز دور القدوة والهوية الكويتية وفصلها عن السطحية والاستهلاك.
كثيراً ما يرفض الإنسان الحديث فكرة القدوة أو المثل الأعلى، ولربما كان ذلك بسبب تضخم الأنا والفردانية المفرطة لديه، وعلى الرغم من رفضه الشديد فإنه يتابع هؤلاء المشاهير ويقوم بتقليدهم فيتخذ منهم قدوةً بصورة ضمنية، وها هو العالم الغربي المنغمس بفردانيته يعترف بتخبطه بسبب عدم انتقال المعرفة من المعلم إلى التلميذ، ويذكر الكاتب «روبرت غرين» في الكثير من كتبه ومقابلاته أهمية أن يكون لدى المرء Mentor دليل أو عدة مراجع ذوي خبرة كي يقضي وقتاً ثميناً معهم، ويكون هؤلاء المعلمون من مدرسة الحياة، فالتعليم لا يتوقف بانتهاء سنوات الدراسة، ويكون التحصيل هذا اكتساباً للحكمة بدلاً من المعلومات الأكاديمية المقننة. وعلينا أن نتذكر أن أي ملهم قد نتبعه هو بشر في نهاية المطاف، فليس بالضرورة أن نتفق معه بكل شيء، وليس من المشترط أن يكون الملهم موجوداً في بيئتك المباشرة، فقد يكون كاتباً أو رياضياً أو عالماً أثرتك أفكاره وأسلوب حياته.
ما أسهل الضياع في هذا الزمن المجنون! هنا تقع أهمية التعلم ممن أتوا قبلنا كي لا نقع في الأخطاء ذاتها وكي نصبح نحن أيضاً شموعاً منيرة نصنع التاريخ ونلهم القادم من الأجيال.