مع تكثيف الوسطاء جهودهم من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن تبادل الأسرى وإقرار هدنة بحرب غزة المتواصلة منذ 144 يوما، بهدف تخفيف حدة الكارثة الإنسانية ومنع توسّع الصراع إقليمياً، أعرب الرئيس الأميركي جو بايدن عن أمله في التوصل إلى تطبيق وقف إطلاق النار بالقطاع الفلسطيني الأسبوع المقبل، قبيل حلول شهر رمضان.
وسُئل بايدن أثناء زيارة إلى نيويورك عن الموعد المحتمل لبدء الهدنة بين إسرائيل و«حماس»، فأجاب بأن «مستشاري للأمن القومي جاك سوليفان يقول لي إننا قريبون، نحن قريبون، ولم ننته بعد. وآمل أنه بحلول الاثنين المقبل سيكون هناك وقف لإطلاق النار».
وفي تصريحات لشبكة إن. بي. سي، قال بايدن إن إسرائيل التزمت بتمكين المدنيين الفلسطينيين من الإخلاء من رفح في جنوب غزة قبل تكثيف حملتها هناك لتدمير «حماس».
وأضاف أن هناك اتفاقا من حيث المبدأ على وقف إطلاق النار بين الجانبين الإسرائيلي وحركة حماس أثناء إطلاق سراح الرهائن. وتابع: «رمضان يقترب، وكان هناك اتفاق بين الإسرائيليين على عدم القيام بأي أنشطة خلال شهر رمضان، لكي نمنح أنفسنا وقتاً لإخراج جميع الرهائن».
وحذّر بايدن من أن الدولة العبرية تخاطر بفقد الدعم من بقية العالم، مع استمرار سقوط قتلى فلسطينيين بأعداد كبيرة.
وأدلى بايدن بتصريحه المتفائل بصورة مفاجئة عقب تصريحات أقل تفاؤلا لشخصيات سياسية إسرائيلية، ليل الاثنين ـ الثلاثاء، عن المحادثات الجارية في الدوحة، بشأن فجوات كبيرة للغاية بصفقة التبادل والهدنة.
ونقل موقع «يديعوت أحرونوت»، العبري، عن مسؤولين إسرائيليين كبار، قولهم إنهم لا يفهمون سبب تفاؤل بايدن، فيما أكد محللون أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليس معنياً بالتوصل إلى صفقة لأسباب حزبية، ونقلوا عن مصادر أنه فوجئ من تصريحات الرئيس الأميركي.
على الجهة المقابلة، وصف القيادي بـ «حماس»، أسامة حمدان، تصريحات الرئيس الأميركي، بأنها سابقة لأوانها، ولا تتطابق مع الوضع على الأرض.
واتهم القيادي إدارة الرئيس الديموقراطي بممارسة «النفاق السياسي والمشاركة في جريمة قتل الفلسطينيين»، ومحاولة التأثير على الرأي العام الفلسطيني عبر تسريب تفاصيل «وثيقة باريس».
ووسط تسريبات عن «شعور قيادات حماس بالإحباط تجاه الخطوط العريضة المطروحة بشأن صفقة تبادل الأسرى والمعتقلين»، أكد حمدان أن الأولوية لوقف العدوان وإنهاء الحصار وإدخال المساعدات، وتبادل الأسرى يأتي لاحقاً و»بشكل جدي ومشرّف».
تفاؤل حذِر
وبعد حديث مصادر عدة من الدول الوسيطة، قطر ومصر والولايات المتحدة، عن إحراز تقدم في التفاوض عقب «مباحثات باريس 2»، التي شارك بها مدير المخابرات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، وليام بيرنز، بشأن التسوية الرامية لإقرار هدنة، أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، التفاؤل بنتيجة الوساطة للتوصل إلى تهدئة، لكنّه أشار في الوقت نفسه إلى أنه لم يتمخض عن المفاوضات أي شيء حتى الآن يمكن الإعلان عنه، «ولا نتوقع الإعلان عن تقدم اليوم أو غداً».
وإذ أكد أن لا تعليق على الموعد الذي أعلنه الرئيس بايدن بالنسبة للتوصل إلى صفقة في غزة،
اعتبر أن التحديات لوصول المساعدات إلى غزة لا تزال مستمرة، ومع الأسف لم نرَ دوراً للمجتمع الدولي في الضغط لإدخالها، لافتاً إلى أنه من المؤلم أن يكون وقف المجاعة بحاجة إلى جهود وساطة.
وجاءت تصريحات الأنصاري بالتزامن مع عمل قيادات بالجيش الإسرائيلي وجهاز الموساد وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) على بحث الجوانب الإنسانية لمقترح الصفقة المحتملة مع الوسطاء المصريين والقطريين في الدوحة لليوم الثاني على التوالي.
تفاصيل الاتفاق
وفي وقت تضغط إدارة بايدن على إسرائيل و«حماس»، منذ ما يزيد قليلا على أسبوعين، للموافقة على الصفقة الجديدة لتبرد الحرب الوحشية بغزة وتفادي وصولها لنقطة انعطاف أخرى مع اقترابها من شهرها الخامس، كشفت تسريبات شبه متطابقة أن بيرنز طرح «جسرا أميركيا» على ممثلي إسرائيل وقطر ومصر خلال الجولة الثانية من مفاوضات باريس الجمعة الماضية.
وتنص الخطة، التي تتضمن 3 خطوات، على إطلاق سراح 40 رهينة إسرائيلية، معظمهم من النساء والرجال المسنين، وسيكون ذلك مصحوبا بتوقف القتال 40 يوما على الأقل، للسماح بتدفقات جديدة كبيرة من المساعدات الإنسانية لغزة.
ويتكون اقتراح بيرنز من 3 عناصر رئيسية، وتبقى هناك تفاصيل معقّدة بشأن كل عنصر، لكن الخطوط الأساسية واضحة.
وستكون الخطوة الأولى زيادة كبيرة بالمساعدات، والمزيد من المأوى للنازحين، وإعادة فتح المخابز وغيرها من مصادر الغذاء التجارية، والعمل على إعادة بناء البنية التحتية المدمرة والمستشفيات.
أما الجزء الثاني من صيغة بيرنز فيشمل خطة لعودة محدودة وتدريجية للفلسطينيين إلى منازلهم بشمال القطاع.
ويتلخص العنصر الثالث في صيغة إطلاق سراح السجناء، وهي ذات أهمية رمزية لكلا الجانبين، إضافة إلى أنها الأصعب لجهة العدد الذي ستقبل إسرائيل بإطلاقه مقابل الإفراج عن كل رهينة مدنية أو أسير عسكري.
ومن الأسئلة المثيرة للاهتمام هو ما إذا كانت قائمة الإفراجات ستشمل مروان البرغوثي، الذي قاد الانتفاضتين الأولى والثانية، ويُنظر إليه على أنه الشخص الذي يمكنه توحيد الفلسطينيين بعد الحرب.
وسيكون من شأن خطة إطلاق سراح الرهائن أن تخفف حدة الحرب دون أن تضع نهاية لها، حيث تظل إسرائيل عازمة على مواصلة الصراع، مع فترات زمنية من الهُدن على طول الطريق، إلى أن تُهزم «حماس»، إن لم يتم تدميرها بالكامل، في ظل عدم تمكّنها من قتل أو اعتقال زعيمها بالقطاع يحيى السنوار.
في موازاة ذلك، كشفت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، أن إسرائيل وافقت على استئناف تحويل عائدات الضرائب إلى السلطة الفلسطينية لتمويل الخدمات الأساسية ودعم اقتصاد الضفة الغربية المحتلة، وقالت إن الأموال بدأت تتدفق.
معارك ومساعدات
ميدانيا، تواصلت المعارك على عدة محاور بعموم غزة، وسط استمرار للقصف العنيف على مختلف أنحاء القطاع، وخصوصاً في مدينتَي غزة ورفح، فيما بلغ عدد الضحايا منذ بدء الحرب 29.782 شهيداً و70.043 مصاباً.
في السياق، أفاد مصدر أمني مصري بأن القوات الجوية المصرية ستنفذ عملية إسقاط لمساعدات غذائية وطبية في غزة بمشاركة إماراتية وأردنية، لافتا إلى أن القاهرة ستنتهي من إنشاء معسكر الإيواء الثاني للنازحين داخل القطاع قريبا، قبل الشروع في إنشاء معسكر ثالث ومستشفى ميداني مصري شمال دير البلح.
وتزامن ذلك مع تصريح المقرر الأممي المعني بالحق في الغذاء، مايكل فخري، بأن «إسرائيل تقوم بتجويع الفلسطينيين عمداً»، مشددا على أنه «يجب محاسبتها على جرائم الحرب والإبادة الجماعية».