وسط مخاوف متزايدة من تراجع المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا، وانقلاب كفة الأوضاع الميدانية لمصلحة موسكو، أحرج الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حلفاءه الغربيين، بالدعوة إلى عدم استبعاد إرسال قوات برية غربية إلى أوكرانيا لهزيمة روسيا، مقدماً نفسه على أنه أكبر الداعمين لكييف، بعد أيام من الذكرى الثانية للحرب.
ولاقت دعوة ماكرون، في ختام مؤتمر استضافته باريس لدعم أوكرانيا، رفضاً غربياً شاملاً، بدءاً من البيت الأبيض الذي شدد على أنه ليس لدى الرئيس جو بايدن خطط لإرسال قوات أميركية أو من حلف الناتو للقتال في أوكرانيا، وصولاً إلى ألمانيا المحرك الأساسي الثاني إلى جانب فرنسا للاتحاد الأوروبي.
وكرر المستشار الألماني أولاف شولتس رفض برلين «البات» لإرسال أي قوات، وكذلك فعل رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك ورئيسا وزراء بولندا دونالد توسك والتشيك بيتر فيالا.
وبينما رحبت كييف بالدعوة، حذر الكرملين من أن الصراع مع «الناتو» سيصبح مباشراً وحتمياً إذا أرسلت الدول الأوروبية قوات لأوكرانيا، في وقت وصف نائب رئيس مجلس الاتحاد الروسي قسطنطين كوساتشوف دعوة ماكرون بأنها بمنزلة «إعلان للحرب».
ميدانياً، ذكرت وزارة الدفاع الروسية أن قواتها أحرزت مزيداً من التقدم في شرق أوكرانيا بالسيطرة على قرية سيفيرني قرب أفدييفكا، وهي بلدة أوكرانية سيطرت عليها في وقت سابق هذا الشهر، كما أعلنت أنها دمرت أول دبابة أميركية من نوع أبرامز في أفدييفكا.
وفي تطور موازٍ، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أمس، وصوله إلى السعودية للقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لبحث وساطته في ملف تبادل الأسرى مع موسكو و«صيغة السلام»، التي اقترحتها كييف لوقف الغزو الروسي.
وفي تفاصيل الخبر:
في تصريحات مفاجئة من حيث المضمون، لم يستبعد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس الأول، إرسال قوات برية غربية الى أوكرانيا، وذلك خلال مؤتمر استضافته باريس لدعم أوكرانيا، مع دخول الحرب الروسية ـ الأوكرانية عامها الثالث، وهو ما أظهر انقساما غربياً واضحا حول كيفية إدارة الصراع مع موسكو.
وفي ختام مؤتمر دولي لدعم أوكرانيا ضم أكثر من 20 من القادة الأوروبيين، بينهم المستشار الألماني أولاف شولتس، والرئيس البولندي أندريه دودا، ووزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، وممثلو الولايات المتحدة وكندا، رسم ماكرون صورة قاتمة لروسيا، معتبراً أن مواقفها «تتشدد» بالداخل وفي ساحة المعركة، وأوضح أن ذلك تجلى «بوحشية» في وفاة أليكسي نافالني، أكبر معارضي الرئيس فلاديمير بوتين، وأيضاً على الخطوط الأمامية، حيث تخطط روسيا لـ «هجمات جديدة».
وقال ماكرون، في المؤتمر الذي ألقى خلاله الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كلمة عبر الفيديو: «نحن مقتنعون بأن هزيمة روسيا ضرورية للأمن والاستقرار في أوروبا»، مضيفا أن روسيا تبدي «موقفا أكثر عدوانية ليس فقط في أوكرانيا، بل بشكل عام».
وأشار إلى أنه رغم عدم وجود «إجماع» بشأن إرسال قوات برية غربية إلى أوكرانيا «لا ينبغي استبعاد أي شيء. سنفعل كل ما يلزم لضمان عدم تمكّن روسيا من الفوز بهذه الحرب».
ورفض ماكرون الإدلاء بالمزيد حول موقف فرنسا من إرسال قوات، مشيرا إلى الحاجة لـ «الغموض الاستراتيجي»، لكنّه قال إن هذا الموضوع طُرِحَ «من ضمن خيارات».
كييف ترحّب
ورحب مسؤول أوكراني كبير، أمس، بإجراء مناقشات حول إرسال دول أوروبية قوات إلى أوكرانيا. وقال ميخايلو بودولياك (مستشار الرئيس الأوكراني) في تعليق مكتوب على بيان ماكرون: «هذا أولا يُظهر وعيا مطلقا بالمخاطر التي تشكّلها روسيا العسكرية والعدوانية على أوروبا».
أوروبا منقسمة
في المقابل، نقل عن رئيس الوزراء السلوفاكي، روبرت فيكو، قوله إن بعض أعضاء الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي يدرسون خيار إرسال قوات لأوكرانيا.
من ناحيته، شدد المستشار الألماني على أنه لن يُرسل جنودا من أوروبا أو من حلف ناتو إلى أوكرانيا. وقال: «ما تم الاتفاق عليه منذ البداية ينطبق أيضا على المستقبل، وهو أنه لن تكون هناك قوات على الأراضي الأوكرانية مرسلة من الدول الأوروبية أو حلف ناتو».
وقالت لندن، تعقيبا على تصريحات الرئيس الفرنسي، إن المملكة المتحدة لا تخطط لنشر قوات في أوكرانيا «على نطاق واسع»، ما خلا «العدد الصغير» من القوات الموجودة هناك لدعم جيش كييف.
وبينما لم يشأ الرئيس الفرنسي استبعاد خيار إرسال قوات غربية في المستقبل إلى أوكرانيا، أوضح المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، أن «عددا صغيرا» من الأشخاص الذين أرسلتهم المملكة المتحدة هم هناك «لدعم القوات المسلحة الأوكرانية، خاصة فيما يتعلق بالتدريب الطبي». وأضاف: «لا نخطط لنشر قوات على نطاق واسع».
وقال مسؤول بالبيت الأبيض لـ «رويترز» إن الولايات المتحدة ليس لديها خطط لإرسال قوات للقتال في أوكرانيا، ولا توجد خطط أيضا لإرسال قوات من حلف شمال الأطلسي للقتال في أوكرانيا.
وأعرب رئيسا وزراء بولندا وجمهورية التشيك عن تشككهما تجاه فكرة نشر قوات برية هناك
وقال رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك، أمس، بعد لقاء نظيره التشيكي بيتر فيالا: إن بولندا لا تعتزم نشر أي جنود.
وأضاف أن التركيز يجب أن يكون على تقديم أقصى الدعم لأوكرانيا في جهودها العسكرية ضد الغزو الروسي.
ولم يعلّق توسك على ما إذا كان يمكن أن يتغير هذا الرأي في المستقبل في ظل ملابسات مختلفة.
وأشار فيالا إلى مبادرة تشيكية تهدف لشراء ذخيرة المدفعية من دول ثالثة، وإيصالها إلى كييف بالتعاون مع دول أوروبية أخرى، مثل هولندا.
وصرح مسؤول في حلف شمال الأطلسي أن «ناتو ليست لديه أي خطة» لإرسال قوات قتالية إلى أوكرانيا.
وقال المسؤول لوكالة فرانس برس إن «ناتو وحلفاءه يقدمون مساعدات عسكرية لم يسبق لها مثيل لأوكرانيا. لقد قمنا بذلك منذ عام 2014، وانتقلنا إلى السرعة القصوى بعد الغزو الروسي الواسع النطاق. لكن لا توجد خطط لنشر قوات قتالية تابعة لحلف شمال الأطلسي على الأرض في أوكرانيا».
صدام مباشر
وفي موسكو، حذّر المتحدث باسم «الكرملين»، دميتري بيسكوف، من أن تصريحات ماكرون بشأن إرسال عسكريين إلى أوكرانيا تعني «حتمية الصدام المباشر» بين روسيا و«ناتو».
وأضاف بيسكوف لصحافيين «هذا ليس في مصلحة هذه الدول بتاتا. يجب أن تدرك ذلك»، معتبرا أن مجرّد إثارة هذا الاحتمال يشكّل «عنصرا جديدا مهما جدا» في الصراع، ومضيفا أن العديد من الدول «لديها تقييم رصين إلى حد ما للأخطار المحتملة المترتبة على تصرفات مماثلة».
وتابع أن «الكرملين يدرك جيدا موقف ماكرون إزاء ضرورة إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا».
وردا على سؤال عمّا إذا كان ظهور قوات من حلف ناتو في أوكرانيا سيؤدي إلى مواجهة مباشرة بين الحلف وروسيا، قال بيسكوف: «في هذه الحالة علينا أن نتحدث ليس عن احتمال، بل عن حتمية المواجهة».
وأضاف: «وينبغي لهذه الدول أن تسأل نفسها ما إذا كانت المواجهة في مصلحتها، وقبل كل شيء، إذا كانت في مصلحة مواطنيها».
الهجوم الروسي
وفيما استضاف الرئيس الأميركي جو بايدن محادثات مع قادة «الكونغرس» في البيت الأبيض أمس، في محاولة للإفراج عن مليارات الدولارات من المساعدات العاجلة لأوكرانيا، أعلن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أمس، السيطرة خلال الأسبوع الماضي، على 3 بلدات في دونيتسك، هي بوبيدا ولاستوتشكينو وسيفيرني، مشيراً إلى أنه «في اتجاهات أخرى، تنفذ باستمرار هجمات نارية قوية على منشآت القوات الأوكرانية، ما يمنعها من استعادة فعاليتها القتالية».
وأشار شويغو إلى أنه بعد تحرير أفدييفكا، تواصل القوات تحسين الوضع في اتجاهَي دونيتسك وكوبيانسك، حيث سيطرت على حدود ومواقع جديدة.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها دمرت دبابة أبرامز تابعة للجيش الأوكراني قرب أفدييفكا في شرق أوكرانيا، في أول إعلان من نوعه تصدره موسكو منذ تسليم واشنطن هذه الدبابات الثقيلة إلى كييف.