لا تزال شهقة فرح التحرير بحشرجتها للصوت المبحوح تتردد أصداؤها «وطن النهار قد عاد من جديد».
ونحن نعيش اليوم تجدد أفراح الاستقلال والتحرير واحتفالاتهما، نشعر أن فرحتنا لم تكتمل بعد، فمظاهر العبث بالهوية الوطنية وبملفات الجنسية لا تزال حاضرة، ومظاهر الفساد السياسي هي السائدة بالمشهد السياسي، وتبدو على أعمال وتصرّفات رجال السياسة الظاهرين بالمشهد، بكل أسف، بل إن أمارات الفساد البرلماني تتزايد وتنتشر في المجتمع الكويتي أسرع من النار في الهشيم، والفساد المالي ومحاولات اقتسام البلد لم تتوقف، ومبررات الهدر المالي والتسابق في تدمير مالية الدولة وثرواتها هي بوصلة البرلمانيين، خصوصاً مَنْ يعتبر الكويت مشروعاً مؤقتاً للثراء، وبعدها الإقلاع خارجها من حيث أتى (وما أكثرهم)، أو لحياة المنفى الاختياري وهو خيار للبعض وربما أعده وأَلفه بعد سنوات من تجربته.
لكنّ الأمل بأن «كويت مشعل الأحمد» هي القادمة...
كويت لن يختبئ في أي من زواياها فاسد أو متكسب أو مزايد على مصلحة البلد.
كويت لن تجد معها مظاهر الزار السياسي الذي يحاول القفز على الشرعية أو النَّيل منها أو التعدي على مكانتها، بحثاً ولهثاً وراء شعبية وهمية.
كويت عهد الآباء المؤسسين الذين بنوها بسواعدهم ودافعوا عنها بإقامة أسوارها وقدّموا لأجلها الغالي والنفيس، وهم الجيل الذي لا يعرف لغة التخوين أو الشتم أو التهديد أو النجومية الكاذبة، بل كانوا يتميزون بتعاضدهم الفريد وتكاتفهم القوي والتفافهم حول قيادتهم في الملمات من دون نفاق أو تزلّف، بل بصدق ومصارحة وشجاعة، ومن دون إساءة أو خروج على اللياقة في مخاطبة الحاكم الذي يحترمهم ويُنزلهم منازلهم، وبودّ وتبادل للاحترام.
كويت الفريج الذي يعرف كل منهم الآخر، ولا يتسلل بينهم الغريب أو مَنْ لا يسلك مسلكهم، كل كبير فيهم يحترمه الصغار مثل والدهم، وكل صغير يحظى بحماية ورعاية كبير السن، وكل منهم يتعلّم من الآخر، والردع فيها ذاتي لا يحتاج إلى قانون أو سلطان، فكان الأمن مظهراً للدفاع عنهم، لا وقف خروجهم عن القانون.
تلك بعض مظاهر كويتنا السابقة، والعائدة - بإذن الله - في عهد مشعل العزم والحزم، وستتطلب عودتها أن نعود إلى مرحلة الآباء المؤسسين، فنكون عضداً وسنداً للحاكم لنصحه وإعانته والالتفاف حوله عند الملمات، وهو يبادلنا ذلك، وأن نعود إلى دولة الدستور والمؤسسات التي يملك قرارها أبناؤها ويدينون بالولاء لها، فلا يحملون جنسية أخرى، ولا يزوّرون ولا يدّعون ولا يتدافعون للانتساب إلى غير أهلهم وأصلهم، وهو ما ضاقت به أروقة المحاكم من حالات تزوير للجنسية وتغيير للاسم الأول والثاني والثالث والرابع، مستغلين دعاوى النسب، مما يتطلب تطبيق البصمة الوراثية وإنشاء الهيئة العامة للجنسية لتنقية هذا الملف وحسم الفوضى التي رانت على صفحات الجنسية سنوات طويلة، وتسلل للمؤسسة التشريعية وتمكّن من حرفها والانحدار بها لمسار الانحراف، وصار المقعد النيابي غاية ليتم تداوله وبيعه في سوق النخاسة السياسي، بدلاً من أن تكون مصلحة البلد وبناؤه والذود عنه هي الغاية، وهو ما ينبغي أن نستشعره في هذه الأيام لمنع العبث بوطن النهار لاستدامة شهقة فرح التحرير بحشرجتها المبحوحة «ليعود وطن النهار» بحلّته الأصيلة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي من جديد.