وسط قلق دولي متزايد من «مجاعة لا يمكن تفاديها» تطال نحو مليوني شخص في قطاع غزة، أمهلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، إسرائيل، حتى منتصف مارس المقبل للتوقيع على خطاب يقدم ضمانات بأنها ستلتزم بالقانون الدولي، خلال استخدام الأسلحة الأميركية، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع الفلسطيني، حسبما نقل موقع «أكسيوس» عن 3 مسؤولين أميركيين وإسرائيليين أمس.
وأصبحت الضمانات الآن شرطاً بموجب مذكرة أصدرها بايدن في وقت سابق من الشهر الحالي.
وإذا لم يتم تقديم الضمانات بحلول الموعد النهائي، فسيتم إيقاف عمليات نقل الأسلحة الأميركية إلى البلد العبري مؤقتاً وهو ما يعني انكشاف ترسانة الجيش الإسرائيلي خاصة بحال نشوب مواجهة أوسع على الجبهة اللبنانية مع «حزب الله».
وفي حين أن السياسة الجديدة لا تستهدف إسرائيل بالتحديد، فإنها جاءت بعد أن أعرب بعض أعضاء مجلس الشيوخ الديموقراطيين عن قلقهم إزاء الحملة العسكرية الإسرائيلية المتواصلة ضد غزة منذ 145 يوماً والتي تسببت بمقتل نحو 30 ألفاً 70% منهم من النساء والأطفال فضلاً عن تشريد 85% من سكان القطاع المكتظ بـ2.3 مليون نسمة.
وأطلع مسؤولون أميركيون في كل من واشنطن وتل أبيب، أمس الأول، نظراءهم الإسرائيليين رسمياً على السياسة الجديدة، وأعطوهم مسودة الرسالة التي يتعين عليهم التوقيع عليها.
آمال الهدنة
وجاء تلويح الإدارة الأميركية بعصا العقوبات لحليفتها الأبرز في وقت تعززت آمال التوصل إلى هدنة تعمل عليها الدوحة والقاهرة وواشنطن، بعد نحو خمسة أشهر من الحرب.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية، عن الوسطاء المصريين والقطريين في صفقة تبادل أسرى مرتقبة بين «حماس» وإسرائيل، قولهم، إن توقيع اتفاق يشمل تبادل محتجزين بين الجانبين وإقرار هدنة تمتد 40 يوماً على الأقل سيكون قبل حلول شهر رمضان في العاشر من مارس.
وبينما يترقب العالم نتائج المفاوضات الجارية بشكل غير مباشر بين «حماس» وإسرائيل، كشفت القناة الـ13 العبرية عن وثيقة، قالت إنها حصلت عليها من مصدر غربي، وتفصل بشكل أساسي المرحلة الأولى من الصفقة التي يجري صياغتها، والتي أشارت إلى أن إسرائيل «تهتم بها وتوافق عليها».
ووفقاً للوثيقة، في المرحلة الأولى، سيتم إطلاق سراح 40 من المحتجزين الإسرائيليين لدى الحركة، من بينهم 15 بالغاً، فوق سن 50، و13 مريضاً و7 نساء، كان من المفترض إطلاق سراحهن في ديسمبر 2023.
وتشير الوثيقة إلى أن المرحلة الأولى ستشهد إطلاق سراح 5 جنديات إسرائيليات.
وأوضحت الوثيقة أنه سيتم إطلاق سراح 404 من الأسرى الفلسطينيين. كما سيتم إطلاق سراح 15 من السجناء الفلسطينيين الصادر بحقهم أحكام بالسجن لمدد طويلة، بالإضافة إلى 47 آخرين كان قد تم الإفراج عنهم في إطار صفقة الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وعادت إسرائيل لاعتقالهم مجدداً. وتضمنت الوثيقة كذلك اتفاق الأطراف على زيادة المساعدات الإنسانية مع التعهد ببذل كل المساعي اللازمة لتمكين 500 شاحنة من دخول القطاع يومياً.
هنية والقتال برمضان
من جهته، أكد رئيس المكتب السياسي لـ« حماس» إسماعيل هنية أنّ حركته جاهزة للقتال ولن تخرج من غزة، مضيفاً أنّ «أي مرونة نبديها في التفاوض حرصاً على دماء شعبنا وتضحياته ويوازيها استعداد للدفاع عنه».
وشدد على أن «ما عجزت إسرائيل والولايات المتحدة عن تحقيقه في ميدان المعركة، لن تحققانه عبر مكائد السياسة»، مبدياً استعداد الحركة للقتال حتى في شهر رمضان، قائلاً: «لا يضيرنا إن مضينا إلى شهر رمضان في مواجهة وجهاد».
ودعا هنية الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية «والداخل المحتل» إلى شد الرحال إلى الأقصى منذ اليوم الأول من رمضان لكسر حصاره، كما دعا الحلفاء في محور المقاومة الذي تقوده إيران إلى «زيادة الالتحام بالمعركة».
في السياق، أوضح مصدر مسؤول بالحركة أن حوارات التهدئة تجري بوتيرة متسارعة وعن كثب لكن ملف عودة النازحين إلى مناطق غزة وشمالها يعتبر حجر العثرة حتى اللحظة أمام إتمام الاتفاق المرتقب.
وأشار إلى أن «حماس» تريد بنداً واضحاً يؤكد على وقف إطلاق النار الشامل والنهائي عقب انتهاء المرحلة الأولى من التهدئة وفق ما طرح في إطار اجتماعي الأطراف المعنية بباريس.
وقال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أمس، إن حماس تدرك ضرورة تشكيل حكومة تكنوقراط في الأراضي الفلسطينية بدلاً من حكومة ائتلافية تنضم إليها الحركة. وأوضح خلال مؤتمر صحافي في جنيف «أعتقد أن حماس تفهم ذلك، وأعتقد أنها تؤيد فكرة تشكيل حكومة تكنوقراط اليوم» مرتكزة على خبراء يمكنهم «نقل البلاد برمّتها إلى مرحلة انتقالية» لأن أي حكومة تضم حماس ستتم «مقاطعتها» دولياً.
وكان السفير الفلسطيني لدى المملكة المتحدة، حسام زملط، أشار إلى مساعدة قطر ومصر في «تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية جديدة».
السيسي ورفح
في غضون ذلك، أعرب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن أمله في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار خلال الأيام المقبلة، مؤكداً أن فتح معبر رفح البري مع غزة مفتوح على الدوام بعد جدل أحاط عملية الإنزال الجوي للمساعدات من قبل مصر والإمارات والأردن.
بدوره، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال اتصال هاتفي تلقاه من وزير الدولة البريطاني اللورد طارق أحمد، ضرورة ضغط الأطراف الدولية على إسرائيل لإزالة العراقيل التي تضعها أمام عملية إدخال المساعدات.
باريس ولندن
وعلى الصعيد الدولي، دعا أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، خلال مؤتمر مشترك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس، المجتمع الدولي إلى وضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني، وتبني موقف موحد لوقف الحرب، منتقداً «سياسة التجويع».
وشدد تميم وماكرون، في بيان مشترك عقب مباحثاتهما على رفضهما لأي هجوم إسرائيلي على رفح، في ظل تصاعد التهديدات الإسرائيلية باجتياح المدينة الحدودية المكتظة بالنازحين.
وفي لندن، أشار رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، إلى «اننا نسعى لوقف دائم لإطلاق النار في غزة يبدأ بهدنة إنسانية تسمح بالإفراج عن الأسرى وإدخال المساعدات».
قتال وضحايا
ميدانياً، تواصلت المعارك بين عناصر حركتي «حماس» و»الجهاد» على عدة محاور في القطاع خاصة في حي الزيتون بمدينة غزة ومدينة خان يونس بالجنوب، فيما تسبب القصف الجوي والمدفعي الذي طال عموم القطاع وشرق مدينة رفح بمقتل 91 خلال الساعات الـ24 الماضية.
وأقر الجيش الإسرائيلي بمصرع ضابطين واصابة 27 من قواته ليرتفع بذلك عدد قتلاه منذ بدء الحرب إلى 583، بينهم 243 سقطوا في المعارك البرية.
وبينما زعمت سلطات الاحتلال أنها سمحت بإدخال 31 شاحنة محملة بالمساعدات إلى شمال القطاع، طالب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا بفرض عقوبات على إسرائيل بعد المعلومات الواردة في التقرير الذي وزعه مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) على أعضاء مجلس الأمن الدولي بشأن الوضع في غزة، لافتاً إلى المعلومات «جمدت الدماء في العروق».
من جهة أخرى، أوضح الرئيس البرازيلي لولا دي سلفيا أنه لم يستخدم كلمة «محرقة» خلال انتقاده لهجوم حكومة بنيامين نتنياهو على غزة. وشبه الحملة الإسرائيلية على القطاع بـ»هجوم حماس» في «طوفان الأقصى».