موسكو تتدرب على ضربة نووية وتتوجس من «غزو صيني»
أسلحتها التكتيكية تغطي أوروبا وآسيا وعقيدتها «التصعيد لوقف التصعيد»
تدربت القوات الروسية على استخدام أسلحة نووية تكتيكية تغطي أوروبا وآسيا، وفق سيناريوهات حروب محتملة، من بينها التصدي لغزو صيني، على الرغم من توقيع البلدين منذ عام 2001 (اتفاقية الضربة الأولى)، وهي تعهد بعدم استخدام الأسلحة النووية كوسيلة للحرب بين الجانبين.
وقال خبراء راجعوا الوثائق السرية وتحققوا منها، لـ «فايننشال تايمز»، إنه تم إعداد هذه الوثائق الـ 29 بين عامي 2008 و2014، وتحدد شروط استخدام الأسلحة النووية التكتيكية، وتضم سيناريوهات حربية تتراوح بين توغل عدو الى الأراضي الروسية وتدمير 20% من غواصات الصواريخ الباليستية الاستراتيجية الروسية.
عتبة منخفضة
وفي هذا السياق، قال مدير معهد كارنيغي في برلين، ألكسندر غابويف «هذه الوثائق التي تنشر للمرة الأولى، تظهر أن العتبة التشغيلية لاستخدام الأسلحة النووية منخفضة جداً إذا لم يتم تحقيق النتيجة المرجوة من خلال الوسائل التقليدية».
وعلى عكس الأسلحة «الاستراتيجية»، التي تخصص لاستهداف الولايات المتحدة، فإن الأسلحة النووية التكتيكية الروسية مصممة للاستخدام في أوروبا وآسيا، وتمتلك قدرات أكبر بكثير من الأسلحة التي ألقيت على ناغازاكي وهيروشيما في عام 1945.
ورغم أن هذه الوثائق، التي كشفتها مصادر غربية لـ «فايننشال تايمز»، تعود إلى أكثر من 10 سنوات، فإن الخبراء أكدوا أنها لا تزال ذات صلة بالعقيدة العسكرية الروسية الحالية.
وتكشف الخطط الدفاعية الروسية عن شكوك عميقة تجاه الصين، إذ تظهر الوثائق تدريبات بالمنطقة العسكرية الشرقية لروسيا على عدة سيناريوهات بينها غزو صيني محتمل.
وتشير إحدى الوثائق لهجوم افتراضي من جانب الصين على روسيا، التي يمكن أن ترد بضربة نووية تكتيكية من أجل وقف تقدم القوات الغازية. وجاء في الوثيقة: «لقد صدر الأمر من القائد الأعلى لاستخدام الأسلحة النووية في حال هدد العدو بشن مزيد من الهجمات».
وفيما رفض الكرملين التعليق على هذه الوثائق، نفت وزارة الخارجية الصينية وجود أي أساس للاشتباه في موسكو. وقال متحدث إن «معاهدة حسن الجوار والصداقة والتعاون بين الصين وروسيا أرست بشكل قانوني مفهوم صداقة أبدية وعدم عداء بين البلدين»، مؤكداً أن «نظرية التهديد لا تلقى رواجاً في الصين وروسيا».
عوامل الضربة النووية
وتحدد وثيقة عرضت على ضباط البحرية عوامل شن ضربة نووية، بينها هبوط العدو على الأراضي الروسية، أو هزيمة الوحدات المسؤولة عن تأمين المناطق الحدودية، أو هجوم وشيك للعدو باستخدام الأسلحة التقليدية.
وربطت الوثائق استخدام الأسلحة النووية بعوامل محددة، مثل أن الخسائر التي تكبدتها القوات الروسية «ستؤدي بشكل لا رجعة فيه إلى فشلها في وقف عدوان كبير من العدو»، وهو «ما يهدد أمن الدولة في روسيا».
وتشمل الشروط المحتملة الأخرى تدمير 20% من غواصات الصواريخ الباليستية الاستراتيجية الروسية، أو 30% من غواصاتها الهجومية التي تعمل بالطاقة النووية، أو ثلاثة طرادات أو أكثر، أو ثلاثة مطارات، أو توجيه ضربة متزامنة لمراكز القيادة الساحلية الرئيسية والاحتياطية.
ويلجأ الجيش الروسي أيضاً إلى استخدام الأسلحة النووية التكتيكية لتحقيق جملة من الأهداف، بينها «احتواء العدوان أو التصعيد العسكري ووقف العدوان ومنع القوات الروسية من خسارة المعارك أو الأراضي، وجعل البحرية الروسية أكثر فعالية».
وكشف بوتين العام الماضي أن العقيدة النووية الروسية تسمح بعتبتين محتملتين لاستخدام الأسلحة النووية: الانتقام من ضربة نووية أولى من قبل عدو، وإذا تعرض وجود روسيا كدولة للتهديد حتى لو تم استخدام الأسلحة التقليدية.
توجس روسي من الصين
وذكر مدير الاستراتيجية والتكنولوجيا والحد من الأسلحة في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، ويليام ألبيرك أنه على الرغم من نقل موسكو لقواتها من الشرق إلى أوكرانيا، فإنها واصلت بناء دفاعاتها الشرقية، مضيفاً أن «روسيا تواصل تعزيز وتدريب صواريخها ذات القدرة النووية في الشرق الأقصى بالقرب من حدودها مع الصين. الكثير من هذه الأنظمة لديها نطاق لضرب الصين فقط».
ورجح ألبيركي أن روسيا لا تزال تتصرف وفقا «لنظرية استخدام» الأسلحة النووية التي كشفتها الوثائق، مضيفاً أن روسيا ربما تشعر بالقلق من أن الصين قد تسعى للاستفادة من تشتيت انتباه موسكو «لإخراج الروس من آسيا الوسطى».
وتعكس الوثائق الأنماط التي شوهدت في التدريبات التي أجراها الجيش الروسي بانتظام قبل وبعد غزو أوكرانيا في عام 2022. وأشار ألبيرك، الذي عمل سابقاً في حلف شمال الأطلسي ووزارة الدفاع الأميركية في مجال الحد من الأسلحة، إلى تدريبات أجرتها روسيا في يونيو ونوفمبر الماضيين، وتتضمن استخدام صواريخ «اسكندر» ذات القدرة النووية في منطقتين على الحدود مع الصين.
وباستخدام ما تسميه «إثارة الخوف»، ستسعى موسكو إلى إنهاء الصراع بشروطها الخاصة من خلال صدم الخصم بالاستخدام المبكر لسلاح نووي صغير، أو تأمين تسوية من خلال التهديد بالقيام بذلك.
واستبعد ألبيركي أن تستخدم روسيا أسلحة نووية تكتيكية ضد أوكرانيا، مضيفاً أن القادة الروس يعتقدون أن توجيه ضربة نووية ضد الصين أو الولايات المتحدة يمكن أن يكون «مثيراً للقلق»، لكن توجيه ضربة نووية إلى أوكرانيا من المرجح أن يؤدي إلى تصعيد الصراع وتدخل مباشر من جانب الولايات المتحدة أو بريطانيا «وهذا هو بالتأكيد آخر شيء يريده بوتين».