نعيد الكتابة عن هذا الموضوع، نظراً لأهميته من حيث تأثيره المباشر على مستوى معيشة المواطن في ظل عدم تقديم الحكومة أي حلول جذرية لأصل المشكلة، والتي قمنا بتفنيدها في مقالتنا المنشورة بتاريخ 15/ 11/ 2023 بعنوان «التضخم... الأسباب والحلول»، وأشرنا فيها إلى أن السبب الرئيسي للغلاء في الكويت هو الاحتكار بكل صوره وأشكاله، وباختلاف مرتكبيه، سواء الحكومة أو الأفراد بصفاتهم الاعتبارية.

كذلك أشرنا في مقالتنا المنشورة بتاريخ 12/ 1/ 2024 وعنوانها «اليد الخفية أعلى من يد التجارة»، الى الآثار السلبية للتدخل في آلية عمل السوق، وأن حرية الأسواق هي الحل.

Ad

ومع مرور الأيام، تأكد ما ذكرنا في تلك المقالة، حيث تم تسجيل تضخّم متصاعد لآخر شهرين بحسب بيانات الإدارة المركزية للإحصاء (لدينا تحفّظ عن حجمه، حيث نعتقد أنه أعلى بكثير)، رغم السياسة النقدية المتشددة وغير المسبوقة تاريخيا ورغم التدخلات المباشرة في السوق.

وفي المقابل تم تسجيل انخفاض في التضخم بالدول التي كانت تتهم بجلب التضخم الى «أسواقنا البريئة من أي اختلالات تشريعية أو ممارسات ذات نفوذ تؤثر على التنافسية، وبالتالي الأسعار والجودة».

في خضمّ هذا كله لم يتحدث أي مسؤول مختص بشكل علني وتفصيلي عن الأسباب والحلول من وجهة نظر الحكومة! فإذا لم يكن التضخم المستمر والمؤثر على الحياة اليومية للمواطن موضوعا يستحق أن يخرج المسؤولون للحديث عنه وعن أسبابه وآلية معالجته، فما هو الموضوع المستحق في الشأن الاقتصادي؟ بل على العكس من ذلك، استمرت الحكومة في انتهاج سياسات مستغربة من تحديد سقف سعري لسلع معيّنة، ووضع قيود على تصدير بعض السلع الى آخره.

وعلاوة على ذلك، لم تقف تلك السياسات عند ذلك الحد، بل وصلت بها الحال الى أن ترى أن زيادة الرواتب هي الحل من خلال ما يُنشر من تسريبات عن صيغ زيادات معيّنة، في اصطدام مباشر مع مبادئ اقتصادية ثابتة يجهلها أو يتجاهلها من يضع هذه السياسات.

هذا كله يدفعنا الى تساؤل مستحق، هل من يقف خلف هذه المقترحات والحلول على كفاءة وعلم بحال الاقتصاد المحلي؟ إن كان كذلك، فلماذا لا يقدم مبررات هذه السياسات بشكل علني ومن خلال وسائل الإعلام؟ لماذا لا يقوم وزير المالية أو محافظ البنك المركزي المحترمان بالظهور في مؤتمر أو ندوة، كما فعل رئيس الوزراء، ليوضحا للمواطنين كيف لزيادة المعروض النقدي أن تؤدي الى تباطؤ التضخم؟ وكيف لدولة تنتهج سياسة نقدية متشددة أن تقوم هي ذاتها بانتهاج سياسة مالية توسّعية في آن واحد؟!

أما إن كان المعني بالأمر يرى أسبابا أخرى للتضخم، ولا يرى أن السبب وجود بيئة احتكارية معيقة للمنافسة، فلماذا لا يقدم جهاز حماية المنافسة إحصاءات تاريخية على أساس سنوي توضح مؤشرات التنافسية لكل قطاع، ومعدل دخول وخروج المنافسين من السوق والقطاعات على حدة، ومعدل الوقت المطلوب لدخول منافسين جدد، مقارنة مع إحصاءات دول المنطقة والدول ذات البيئة التنافسية العالية؟ أما الاستمرار في هذا السلوك من بيانات إنشائية غير مستندة الى حقائق

وتواصل إعلامي ضعيف، فلن يغيّر من واقع الحال شيئا، بل سيضعف الثقة بعمل تلك المؤسسات.

باختصار، نعتقد أن ما تقوم به الجهات المعنية من سياسات وقرارات غير منطقية ومن دون شرح لمبرراتها ما هو إلا استخفاف بآلية عمل السوق وأبجديات الاقتصاد، ومحاولة توجيه الاقتصاد بقوة قوانين غير متسقة مع الواقع لا تعي الآثار والانعكاسات السلبية لذلك.

كما نرى أن تحديد سقف سعري للسلع هو معالجة للخطأ بخطيئة أكبر، وأنها خطوة للوراء لم تعد حتى الدول المؤسسة لهذه الأفكار تستخدمها لضبط الأسعار.

أما تحسين معيشة المواطن فلا يمكن تحقيقه إلا من خلال خلق بيئة أعمال وأسواق تتسم بالعدالة والشفافية وحرية وسهولة دخول منافسين جدد، إضافة الى عدالة في رواتب القطاع الحكومي تستند الى الكفاءة والاجتهاد لا الى اعتبارات أخرى.

ختاما، وبمناسبة ذكرى الاستقلال والتحرير، نبارك للقيادة السياسية والشعب الكويتي الكريم، ونسأل الله عز وجلّ أن يديم الأمن والأمان على هذه الأرض الطيبة، وأن يتقبل شهداءنا الأبرار.

* أستاذ التمويل ومحاضر سابق في جامعة بورتسموث - المملكة المتحدة