نهرا السند (Sindhu)، والغانغ (The Ganges) يعدان من أهم أنهار الهند، خصوصاً الثاني بسبب قدسيته عند الهندوس، وينبعان من التبت في جبال الهيمالايا، ويصب الأول في بحر العرب عند مدينة كراتشي الباكستانية، ويصب الثاني في بنغلاديش عند خليج البنغال، كلاهما جمع شمل مئات الملايين من البشر وصارا من أهم شرايين الحياة في شبه القارة الهندية، فعلى ضفافهما سادت حضارات ثم بادت، وبفعل هذه الحضارات تنوعت الآلهة، ونسجت حولها الأساطير والحكايات منذ آلاف السنين فالهنود والبوذيون مثلاً، يعتقدون أن هناك آلهة تقطن في الجبال، عند منابع الأنهار، فيعتقدون أن نهر السند ينبع من فم الأسد، بينما نهر الغانغ ينبع من فم الطاووس.
وبسبب وقوع عواصم الأقاليم الهندية وإمبراطورياتها على ضفتي نهر الغانغ عبر التاريخ، فقد اكتسب هذا النهر أهمية اقتصادية وسياسية وقومية ودينية فائقة، حيث توجد مواقع دينية كثيرة على ضفافه يحج إليها الهندوس، ويقال إن الخواص الطبيعية المعدنية لمياه هذا النهر هو السبب في تقديسه، إذ يحج إليه ملايين الهنود كل عام للتكفير عن ذنوبهم بالاغتسال بهذا النهر والتطهر الروحاني، اعتقاداً منهم أنه أحد أنهار الجنة، أما اليوم، وبعد الزيادة الكارثية في عدد السكان، فإن حالة النهرين البيئية حرجة للغاية، بعد أن صار النهران مكباً للنفايات والفضلات الكيميائية وللمجاري الصحية، الأمر الذي جعل مياههما، وخصوصاً عند المصب، غير صالحة للشرب والري، وصار التلوث من المشكلات الرئيسة في كل من الهند وباكستان.
زرت إقليم بلتستان من كشمير الباكستانية ضمن فريق لمؤسسة خيرية في أغسطس من عام 2007، ولفت نظري كثرة البحيرات، وتنوع الشلالات، وتعدد الأنهار والجداول المائية، ورغم كل هذه النعم «المائية»، إلا أن العبث الإنساني حوَّل أجزاءً من هذه المناظر الخلابة إلى خرائب قبيحة، فكمية المياه المتدفقة من الجبال بأطنان من الأمتار المكعبة، التي تنهمر في كل ثانية في كل مكان، توحي مشاهدها وكأنها ثروة مائية، لكن، وللأسف الشديد، لا يستطيع أي إنسان أن يشرب الماء من أي مجرى مائي ولا حتى قطرة واحدة، بسبب غياب الحد الأدنى من الوعي الصحي عند السكان، الذين يتلفون هذه الثروة الطبيعية عبر تلبية نداء الطبيعة وقضاء حاجاتهم على ضفاف هذه المجاري المائية، التي يستخدمونها أيضاً للشرب والغسيل والري، ولهذا فإن كل المؤسسات الخيرية، المحلية والأجنبية، العاملة هناك تضطر إلى جلب مياه معدنية معبأة في قوارير بلاستيكية لحماية نفسها من الأمراض المعدية.
سكان ضفتي هذين النهرين المقدسين إضافة إلى الحجاج الهندوس الذين يحجون إليهما للتقديس، خصوصاً الطبقة الفقيرة التي تفتقد للحد الأدنى من ثقافة النظافة، ويعيشون في بيوت وأكواخ تفتقر للحد الأدنى من العيش الكريم، هذه الطبقة من الناس، مع كامل احترامنا لإنسانيتهم، هي التي تستوردها الكويت للعمل في مجال تنظيف غرف نومنا وصالاتنا وحماماتنا وسياراتنا ومكاتبنا وشوارعنا، وكل شيء يتعلق بصحة بيئتنا.
أنا لا أتكلم عن الأطباء والمهندسين والخبراء الذين يفدون إلينا من شبه الجزيرة الهندية، أنا أتحدث هنا عن فئة متدنية الثقافة والتعليم، ولا تعرف معنى أهمية النظافة الجسدية وتدخل بيوت كويتيين يعانون من «هستيريا نظافة»، وتقطع شوارعنا جيئة وذهاباً بقصد التنظيف، ثم في نهاية النهار لا يتغير شكل الشارع إلى الأحسن من حيث النظافة.
إذاً لماذا إنفاق عشرات الملايين على مناقصات نظافة كل سنة دون أن نشعر بأي تغيير على نظافة شوارعنا؟ إلى متى نتبع سياسة التنفيع والبحث عن الولاءات على حساب القانون وعلى حساب المال العام وأهم من هذا كله على حساب صحة المواطن؟