اللا مُفَكَّر فيه هو الدواء فهل تتجرعه الحكومة؟
هناك عوامات غير قابلة للغرق والاختفاء عن سطح المطالب الشعبوية، فهي مطالب تظل طافية على سطح الرغبة الجماهيرية الجامحة، ويستخدمها بمكر أعضاء مجلس الأمة وأقطاب إثارة الفتنة لإرباك الحكومة وإشغال الرأي العام، ناهيكم عن تحقيق التأييد الشعبي لهم وضمان استمرار الكراسي البرلمانية، وبالفعل الحكومات المتعاقبة تصاب بالدوار والحيرة من جراء هذه المطالبات في ظل معادلة متحجرة أضلاعها موارد محدودة ومتقلبة للدخل، وموازنات متصاعدة ومختلة هيكلياً يستحوذ عليها بند الرواتب والدعوم المتزايدة، فتأتي مطالبات الزيادات لتسبب الحرج للحكومة، فإذا أضفنا لما سبق أزمة غلاء ومحدودية السكن وارتفاع الإيجارات فإنها الكارثة بامتياز التي تقف منها الحكومة والبرلمان في حيص بيص من أمرهم!!
كانت أول عوامة تم استخدامها بقوة إسقاط القروض، وقد شهدنا كيف كانت الإثارة والتحرك الغوغائي المنفلت، إلا أن العقلاء في مجلس الأمة وعلى رأسهم رئيس مجلس الأمة السابق العم أحمد السعدون قد أطفأوا هذه الهوجة بإجراءات عقلانية تضمنها قانون صندوق المعسرين، ثم لم يَعْدَم أصحاب الإثارة والتهييج الشعبي عوامة أخرى تمثلت في دعم المتقاعدين، وقام العقلاء أيضا بسن القانون الخاص بزيادة الحد الأدنى لمعاشات المتقاعدين، ولم يهدأ أصحاب المطالبات الشعبوية، فقد دشنوا عوامة تقديم الدعم لمواجهة غلاء المعيشة الذي يستحوذ هذه الأيام على الاهتمام والهَم الشعبي، وتنطلق في إطاره الإشاعات ما بين 60 ديناراً إلى 80 ديناراً... إلخ، في وقت يحذر فيه الخبراء الاقتصاديون من مخاطر هذا الاستنزاف لمصادر الدخل والبالغة في إجماليها 18.66 ملياراً، التي لا تلبي تمويل الموازنة التقديرية العامة البالغة 24.5 ملياراً للسنة المالية 2024-2025.
المصيبة الكبرى كما أشرنا لها في عدة مقالات سابقة تتمثل في اللا مُفَكَر فيه حكومياً وبرلمانياً وشعبياً والمتمثل في التخلص من قطاعات إنتاجية متورمة تلتهم مبالغ ضخمة من الموازنة، وتدار على قاعدة غير سوية إطلاقاً، فقد بلغت تكاليف إنتاج الكهرباء والماء 4.2 مليارات دينار، وما يدره هذا القطاع من دخل لا يتجاوز 500 مليون، وقد نصحنا الحكومة بضرورة التخلص من هذا القطاع وبيع المحطات للقطاع الخاص، وتوفير ما قيمته 4 مليارات لأن الحكومة ستدفع دعم العمالة لـ30 ألف عامل كويتي فقط يعملون حالياً في وزارة الكهرباء بقيمة إجمالية 216 مليون دينار، وجزء منهم ومن خلال فرض التكويت سيظل في عمله، والجزء الآخر ينضم إلى وظائف أخرى في القطاع الخاص حسب مؤهلاته ومهاراته.
فإذا تمت خصخصة القطاع الصحي وتم شمول جميع المواطنين بالتأمين الصحي بقيمة 1200 دينار ستوفر الحكومة ما لا يقل عن 600 مليون دينار مع ترقية وتحسين جودة الخدمات الصحية، وستدفع كدعم للعمالة الكويتية في القطاع الصحي 216 مليون دينار.
ولو قامت الحكومة بإعادة تقييم القسائم الصناعية والخدمية والحرفية فإنها ستحصل على ما لا يقل عن ملياري دينار، بعدها الحكومة تلغي أكثر الدعوم وتحول الدعم الى دعم نقدي فتوزع 3 مليارات على المواطنين، فيكون نصيب كل فرد كويتي شهرياً 166 ديناراً، والأسرة المكونة من خمسة أفراد يكون نصيبها الشهري 830 ديناراً.
في ظل الخصخصة وترشيق الجسد الحكومي عبر استئصال البطالة المقنعة والاكتفاء بنصف العمالة في القطاعات التي لا تقبل الخصخصة عدا الأمنية فإن الحكومة ستحقق وفورات ضخمة، وفي الوقت نفسه فإن المواطن سيحصل على مستوى معيشي هو الأرقى في العالم، خصوصا إذا أخذت الحكومة بالحل السعودي للسكن كما فصلناه في مقالاتنا السابقة... والمحصلة النهائية ستنتهي وتغرق عوامات المطالبات الشعبوية وكل مناورات السرك البرلماني وألاعيب حواة السياسة.