كاد الاتفاق النووي المُعدّل مع إيران يكتمل في شهر مارس ثم في أغسطس، لكن لم يعد أحد مقتنعاً بإمكانية إنقاذه اليوم، إذ يعتبر الخبراء «خطة العمل الشاملة المشتركة» في حالة غيبوبة في أفضل الأحوال، أو ربما ماتت بالكامل، ورغم جولات المفاوضات المتكررة في فيينا منذ عام 2021 وتعدد المناسبات التي كادت تُحقق الإنجاز المطلوب، فشلت الولايات المتحدة وإيران في إعادة إحياء الاتفاق الذي اعتبره مؤيدوه عاملاً أساسياً للحفاظ على الأمن الإقليمي ومنع إيران من تصنيع قنبلة نووية.
يقول مارك فيتزباتريك، مسؤول في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: «قد تكون خطة العمل الشاملة المشتركة في حالة من الغيبوبة التامة، لكنها لم تَمُت بعد، فلا يريد أيٌّ من الأطراف على الأقل أن يعلن موتها، لأن هذا النوع من المواقف سيكون اعترافاً بفشل السياسة الخارجية»، لكن يبدو خبراء آخرون أكثر تشاؤماً، ويقول علي فايز، مدير الشؤون الإيرانية وكبير المستشارين في «مجموعة الأزمات الدولية»: «يصعب أن نتوقع إعادة إحياء الاتفاق»، أما إيلي جيرانماييه، نائبة رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فتعتبر هذه المساعي فارغة المضمون أكثر من أي وقت مضى، ولم يعد الوضع برأيها يدعو إلى التفاؤل، كذلك، يعتبر فرزان نديمي من «معهد واشنطن» الاتفاق ميتاً على أرض الواقع.
لكن إذا ماتت «خطة العمل الشاملة المشتركة»، ما الذي سيحصل في المراحل المقبلة؟ ربما أصبحت إيران منذ الآن دولة تتجاوز العتبة النووية وقد تتمكن قريباً من إنتاج سلاح نووي، كذلك قد تغرق المنطقة في سباق تسلّح، فتتوسّع عمليات التجسس الخطيرة بين إيران وإسرائيل، حتى أن مواجهة عسكرية قد تندلع في أي لحظة وتتورط فيها الولايات المتحدة.
سبق أن اتُّهِمت طهران باستعمال عملائها لمهاجمة المواقع الأميركية في المنطقة واستهداف حلفاء واشنطن، وفي ظل غياب أي مفاوضات نووية مستمرة، قد تزيد طهران عدائيتها ووتيرة اعتداءاتها برأي خبراء السياسة الإيرانية.
في المقابل، قد يفرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات متزايدة، ويُسهّلان عمليات التخريب الإسرائيلية الخفية للمحطات النووية الإيرانية، ويُشجّعان التحالف الدفاعي الناشئ بين المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وإسرائيل، ضد إيران، حتى أن الغرب قد يفكّر بتنفيذ تدخّل عسكري مباشر، وصلت إدارة بايدن إلى السلطة وهي تحمل عداءً واضحاً لسياسة «الضغوط القصوى» التي أطلقها الرئيس السابق دونالد ترامب ضد إيران، لكن أصبحت «خطة احتياطية» عدائية بالقدر نفسه قيد النقاش راهناً، وتقترح هذه الخطة فرض عقوبات على الكيانات الصينية التي تستورد النفط الإيراني الخام، وتسريع تسليم أنظمة الدفاع الأساسية إلى إسرائيل، منها ناقلات التزود بالوقود التي تسمح بشن ضربات جوية طويلة المدى لتمكين البلد من استهداف البنية التحتية النووية في إيران.
يقول دبلوماسي أوروبي، تكلم مع صحيفة «فورين بوليسي» شرط عدم الإفصاح عن هويته، إنه يتوقع أن تُصنّع إيران سلاحاً نووياً أو تصبح مستعدة على الأقل لتصنيع سلاح مماثل في أسرع وقت إذا انهارت جهود إعادة إحياء الاتفاق، فهو يضيف من مكتبه في بروكسل أنه يتوقع أن يحصل تدخّل عسكري أميركي في نهاية المطاف لمنع إيران من التسلّح نووياً، ويضيف علي فايز: «إذا سارت إيران في هذا الاتجاه، فستصبح الولايات المتحدة أمام خيارَين غير محبّذَين: تعلّم كيفية التعايش مع قنبلة إيرانية أو قصف إيران.
برأي إيلي جيرانماييه من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، لا يظن الكثيرون في أوساط الاستخبارات الأميركية أن إيران قررت منذ الآن تصنيع قنبلة، لكن يتوقع خبراء آخرون أن يرتفع هذا الاحتمال بقوة إذا انهارت «خطة العمل الشاملة المشتركة» رسمياً، فقد سبق أن اهتزّت العواصم الغربية بسبب رد إيران على انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق، فاقتربت عمليات تخصيب اليورانيوم فيها من العتبة اللازمة لتصنيع قنبلة، ولا يشك الكثيرون بنزعة إيران إلى تخفيض مدة الاختراق النووي وحصرها بأسابيع قليلة من خلال تكثيف التخصيب وبلوغ نسبته 90% إذا لم يتجدد الاتفاق.
يقول فيتزباتريك: «ستتابع إيران إنتاج اليورانيوم بمستويات أعلى من التخصيب، وتُشغّل أجهزة طرد مركزي أكثر تقدّماً، وتَحِدّ من مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تزامناً مع الالتزام التام بالاتفاق الذي سبق «خطة العمل الشاملة المشتركة». يتعلق هدفها الرئيسي بالضغط على الولايات المتحدة وإجبارها على رفع العقوبات وتقريب إيران من إنتاج أسلحة نووية».
قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن الولايات المتحدة مستعدة لاستعمال القوة ضد إيران «كملجأ أخير»، لكن بدل إطلاق جولة أخرى من الضغوط القصوى أو شن حرب شاملة، يظن بعض المحللين أنه يفضّل مقاربة دبلوماسية أكثر ابتكاراً: إنه شكل من سياسة الاحتواء حيث يحدد الغرب حدود التحركات الإيرانية في المنطقة، تزامناً مع إطلاق تهديدات باستعمال قوة عسكرية محدودة وبدء مفاوضات محورها مسألة واحدة مع طهران. اقترحت «مجموعة الأزمات الدولية» مثلاً أن تلغي الولايات المتحدة قرار تجميد الأصول الإيرانية في الخارج جزئياً مقابل أن تَحِدّ إيران من مخزون اليورانيوم المُخصّب بنسبة 60%.
لكنّ انعدام الثقة الذي أعاق المحادثات في فيينا سيلقي بثقله أيضاً على أي اتفاقيات مستقبلية. يظن الخبراء أن التسويات التي سعى إليها الدبلوماسيون بأصعب الطرق لإنقاذ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، عبر مراعاة مخاوف الطرفَين، فشلت في إرضائهما بالشكل المناسب. يتعلّق أحد الخلافات مثلاً بتحقيق أجرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول نشاطات إيران النووية في ثلاثة مواقع غير معلنة. دعت إيران إلى إنهاء ذلك التحقيق وعرضت على الوكالة حديثاً زيارة تلك المواقع، لكن تطالب الوكالة في الوقت نفسه بتفاصيل عن مصير اليورانيوم الموجود هناك.
ويوضح فيتزباتريك: «إذا وصلت كميات اليورانيوم إلى المخزون الذي تراقبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية (يمكن التأكد من هذه المسألة ومن وضع المعدات المرتبطة بها)، قد تصبح المشكلة قابلة للحل، حتى لو عجزت الوكالة عن اكتشاف سبب وجود كميات اليورانيوم غير المعلنة هناك».
لكن لا يظن هؤلاء الخبراء والدبلوماسيون أن إيران ستقدّم هذا النوع من المعلومات يوماً لأنها قد تدين نفسها بهذه الطريقة. تفترض إيران أن التحقيق سيكون أشبه بمطاردة غير محدودة استناداً إلى المعلومات الاستخبارية التي تحصل عليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية من عدوّتها اللدودة إسرائيل التي اعترضت على إقرار الاتفاق منذ البداية.
طالبت إيران بشطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية الخارجية في وقتٍ سابق من هذه السنة، مع أن هذا الطلب ليس من اختصاص خطة العمل الشاملة المشتركة. كشفت تقارير إعلامية في شهر أغسطس أن إيران تخلّت عن هذا الشرط، لكن يقول مصدر دبلوماسي أوروبي إنها تُصِرّ عليه حتى الآن.
في الفترة الأخيرة، تراجعت أي رغبة في استئناف المحادثات مع إيران في واشنطن وبروكسل، بعد استعمال طائرات مسيّرة أرسلتها إيران إلى روسيا لاستهداف المدنيين في أوكرانيا، وبعدما قوبلت الاحتجاجات داخل إيران باستعمال القوة الوحشية من جانب شرطة مكافحة الشغب وقوات أمن بملابس مدنية. كذلك، يتفاقم المأزق المرتبط بالمحادثات بسبب الطريقة التي اعتمدتها إيران والولايات المتحدة لإعادة تقييم مستوى نفوذهما على طاولة المفاوضات. تظن إيران أن قوتها في التفاوض زادت منذ ارتفاع أسعار النفط بسبب الحرب في أوكرانيا، ما يعني أن يصبح الغرب أكثر استعداداً لتقديم التنازلات وإعادة النفط الإيراني إلى السوق العالمي، لكن تريد الولايات المتحدة من جهتها أن تنتظر لفترة وتعرف مدى تأثّر استقرار النظام الإيراني بالاحتجاجات التي أطلقها موت الشابة مهسا أميني (22 عاماً) التي اعتُقِلت لأنها لم تكن ترتدي الحجاب بالشكل المناسب.
يظن بعض المحللين أن هذه الاحتجاجات الحاشدة ما كانت لتندلع لو أُعيد إحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة» واستفاد منها الاقتصاد الإيراني، لكن ذكر الرئيس الإيراني المتشدد، إبراهيم رئيسي، أنه ليس مستعجلاً لإتمام الاتفاق رغم كل شيء، فقال أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر الماضي: «لقد نجحنا في إبطال مفعول العقوبات [الأميركية] في حالات كثيرة، تعرّضت سياسة الضغوط القصوى لهزيمة محرجة، فنحن وجدنا مسارنا بمعزل عن أي اتفاق، وسنتابع المضي قدماً بكل ثبات». كذلك، غرّد مستشار فريق التفاوض الإيراني، محمد مرندي، أن إيران ستتحلى بالصبر، فكتب: «الشتاء يقترب والاتحاد الأوروبي يواجه أزمة طاقة خانقة».
لكن يُصِرّ الأميركيون وشركاؤهم في مطلق الأحوال على أنهم طرحوا أفضل عرضٍ ممكن على طاولة المفاوضات، يقول بيتر ستانو، المتحدث باسم الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي: «لقد استنُزِفت مساحة التفاوض منذ فترة، وأصبح النص النهائي الذي يراعي جميع الأطراف المعنيّة على الطاولة، لن يخضع هذا النص لأي مفاوضات جديدة»، وفي غضون ذلك، تتابع إيران تخصيب اليورانيوم وتتجنب رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفي النهاية، يستنتج ستانو: «الزمن لا يصبّ في مصلحتنا، وقد حان الوقت لاتخاذ قرار سياسي حاسم».
* أنشال فوهرا
يقول مارك فيتزباتريك، مسؤول في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية: «قد تكون خطة العمل الشاملة المشتركة في حالة من الغيبوبة التامة، لكنها لم تَمُت بعد، فلا يريد أيٌّ من الأطراف على الأقل أن يعلن موتها، لأن هذا النوع من المواقف سيكون اعترافاً بفشل السياسة الخارجية»، لكن يبدو خبراء آخرون أكثر تشاؤماً، ويقول علي فايز، مدير الشؤون الإيرانية وكبير المستشارين في «مجموعة الأزمات الدولية»: «يصعب أن نتوقع إعادة إحياء الاتفاق»، أما إيلي جيرانماييه، نائبة رئيس برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فتعتبر هذه المساعي فارغة المضمون أكثر من أي وقت مضى، ولم يعد الوضع برأيها يدعو إلى التفاؤل، كذلك، يعتبر فرزان نديمي من «معهد واشنطن» الاتفاق ميتاً على أرض الواقع.
لكن إذا ماتت «خطة العمل الشاملة المشتركة»، ما الذي سيحصل في المراحل المقبلة؟ ربما أصبحت إيران منذ الآن دولة تتجاوز العتبة النووية وقد تتمكن قريباً من إنتاج سلاح نووي، كذلك قد تغرق المنطقة في سباق تسلّح، فتتوسّع عمليات التجسس الخطيرة بين إيران وإسرائيل، حتى أن مواجهة عسكرية قد تندلع في أي لحظة وتتورط فيها الولايات المتحدة.
سبق أن اتُّهِمت طهران باستعمال عملائها لمهاجمة المواقع الأميركية في المنطقة واستهداف حلفاء واشنطن، وفي ظل غياب أي مفاوضات نووية مستمرة، قد تزيد طهران عدائيتها ووتيرة اعتداءاتها برأي خبراء السياسة الإيرانية.
في المقابل، قد يفرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوبات متزايدة، ويُسهّلان عمليات التخريب الإسرائيلية الخفية للمحطات النووية الإيرانية، ويُشجّعان التحالف الدفاعي الناشئ بين المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وإسرائيل، ضد إيران، حتى أن الغرب قد يفكّر بتنفيذ تدخّل عسكري مباشر، وصلت إدارة بايدن إلى السلطة وهي تحمل عداءً واضحاً لسياسة «الضغوط القصوى» التي أطلقها الرئيس السابق دونالد ترامب ضد إيران، لكن أصبحت «خطة احتياطية» عدائية بالقدر نفسه قيد النقاش راهناً، وتقترح هذه الخطة فرض عقوبات على الكيانات الصينية التي تستورد النفط الإيراني الخام، وتسريع تسليم أنظمة الدفاع الأساسية إلى إسرائيل، منها ناقلات التزود بالوقود التي تسمح بشن ضربات جوية طويلة المدى لتمكين البلد من استهداف البنية التحتية النووية في إيران.
يقول دبلوماسي أوروبي، تكلم مع صحيفة «فورين بوليسي» شرط عدم الإفصاح عن هويته، إنه يتوقع أن تُصنّع إيران سلاحاً نووياً أو تصبح مستعدة على الأقل لتصنيع سلاح مماثل في أسرع وقت إذا انهارت جهود إعادة إحياء الاتفاق، فهو يضيف من مكتبه في بروكسل أنه يتوقع أن يحصل تدخّل عسكري أميركي في نهاية المطاف لمنع إيران من التسلّح نووياً، ويضيف علي فايز: «إذا سارت إيران في هذا الاتجاه، فستصبح الولايات المتحدة أمام خيارَين غير محبّذَين: تعلّم كيفية التعايش مع قنبلة إيرانية أو قصف إيران.
برأي إيلي جيرانماييه من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، لا يظن الكثيرون في أوساط الاستخبارات الأميركية أن إيران قررت منذ الآن تصنيع قنبلة، لكن يتوقع خبراء آخرون أن يرتفع هذا الاحتمال بقوة إذا انهارت «خطة العمل الشاملة المشتركة» رسمياً، فقد سبق أن اهتزّت العواصم الغربية بسبب رد إيران على انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق، فاقتربت عمليات تخصيب اليورانيوم فيها من العتبة اللازمة لتصنيع قنبلة، ولا يشك الكثيرون بنزعة إيران إلى تخفيض مدة الاختراق النووي وحصرها بأسابيع قليلة من خلال تكثيف التخصيب وبلوغ نسبته 90% إذا لم يتجدد الاتفاق.
يقول فيتزباتريك: «ستتابع إيران إنتاج اليورانيوم بمستويات أعلى من التخصيب، وتُشغّل أجهزة طرد مركزي أكثر تقدّماً، وتَحِدّ من مراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تزامناً مع الالتزام التام بالاتفاق الذي سبق «خطة العمل الشاملة المشتركة». يتعلق هدفها الرئيسي بالضغط على الولايات المتحدة وإجبارها على رفع العقوبات وتقريب إيران من إنتاج أسلحة نووية».
قال الرئيس الأميركي جو بايدن إن الولايات المتحدة مستعدة لاستعمال القوة ضد إيران «كملجأ أخير»، لكن بدل إطلاق جولة أخرى من الضغوط القصوى أو شن حرب شاملة، يظن بعض المحللين أنه يفضّل مقاربة دبلوماسية أكثر ابتكاراً: إنه شكل من سياسة الاحتواء حيث يحدد الغرب حدود التحركات الإيرانية في المنطقة، تزامناً مع إطلاق تهديدات باستعمال قوة عسكرية محدودة وبدء مفاوضات محورها مسألة واحدة مع طهران. اقترحت «مجموعة الأزمات الدولية» مثلاً أن تلغي الولايات المتحدة قرار تجميد الأصول الإيرانية في الخارج جزئياً مقابل أن تَحِدّ إيران من مخزون اليورانيوم المُخصّب بنسبة 60%.
لكنّ انعدام الثقة الذي أعاق المحادثات في فيينا سيلقي بثقله أيضاً على أي اتفاقيات مستقبلية. يظن الخبراء أن التسويات التي سعى إليها الدبلوماسيون بأصعب الطرق لإنقاذ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، عبر مراعاة مخاوف الطرفَين، فشلت في إرضائهما بالشكل المناسب. يتعلّق أحد الخلافات مثلاً بتحقيق أجرته الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول نشاطات إيران النووية في ثلاثة مواقع غير معلنة. دعت إيران إلى إنهاء ذلك التحقيق وعرضت على الوكالة حديثاً زيارة تلك المواقع، لكن تطالب الوكالة في الوقت نفسه بتفاصيل عن مصير اليورانيوم الموجود هناك.
ويوضح فيتزباتريك: «إذا وصلت كميات اليورانيوم إلى المخزون الذي تراقبه الوكالة الدولية للطاقة الذرية (يمكن التأكد من هذه المسألة ومن وضع المعدات المرتبطة بها)، قد تصبح المشكلة قابلة للحل، حتى لو عجزت الوكالة عن اكتشاف سبب وجود كميات اليورانيوم غير المعلنة هناك».
لكن لا يظن هؤلاء الخبراء والدبلوماسيون أن إيران ستقدّم هذا النوع من المعلومات يوماً لأنها قد تدين نفسها بهذه الطريقة. تفترض إيران أن التحقيق سيكون أشبه بمطاردة غير محدودة استناداً إلى المعلومات الاستخبارية التي تحصل عليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية من عدوّتها اللدودة إسرائيل التي اعترضت على إقرار الاتفاق منذ البداية.
طالبت إيران بشطب الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية الخارجية في وقتٍ سابق من هذه السنة، مع أن هذا الطلب ليس من اختصاص خطة العمل الشاملة المشتركة. كشفت تقارير إعلامية في شهر أغسطس أن إيران تخلّت عن هذا الشرط، لكن يقول مصدر دبلوماسي أوروبي إنها تُصِرّ عليه حتى الآن.
في الفترة الأخيرة، تراجعت أي رغبة في استئناف المحادثات مع إيران في واشنطن وبروكسل، بعد استعمال طائرات مسيّرة أرسلتها إيران إلى روسيا لاستهداف المدنيين في أوكرانيا، وبعدما قوبلت الاحتجاجات داخل إيران باستعمال القوة الوحشية من جانب شرطة مكافحة الشغب وقوات أمن بملابس مدنية. كذلك، يتفاقم المأزق المرتبط بالمحادثات بسبب الطريقة التي اعتمدتها إيران والولايات المتحدة لإعادة تقييم مستوى نفوذهما على طاولة المفاوضات. تظن إيران أن قوتها في التفاوض زادت منذ ارتفاع أسعار النفط بسبب الحرب في أوكرانيا، ما يعني أن يصبح الغرب أكثر استعداداً لتقديم التنازلات وإعادة النفط الإيراني إلى السوق العالمي، لكن تريد الولايات المتحدة من جهتها أن تنتظر لفترة وتعرف مدى تأثّر استقرار النظام الإيراني بالاحتجاجات التي أطلقها موت الشابة مهسا أميني (22 عاماً) التي اعتُقِلت لأنها لم تكن ترتدي الحجاب بالشكل المناسب.
يظن بعض المحللين أن هذه الاحتجاجات الحاشدة ما كانت لتندلع لو أُعيد إحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة» واستفاد منها الاقتصاد الإيراني، لكن ذكر الرئيس الإيراني المتشدد، إبراهيم رئيسي، أنه ليس مستعجلاً لإتمام الاتفاق رغم كل شيء، فقال أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر الماضي: «لقد نجحنا في إبطال مفعول العقوبات [الأميركية] في حالات كثيرة، تعرّضت سياسة الضغوط القصوى لهزيمة محرجة، فنحن وجدنا مسارنا بمعزل عن أي اتفاق، وسنتابع المضي قدماً بكل ثبات». كذلك، غرّد مستشار فريق التفاوض الإيراني، محمد مرندي، أن إيران ستتحلى بالصبر، فكتب: «الشتاء يقترب والاتحاد الأوروبي يواجه أزمة طاقة خانقة».
لكن يُصِرّ الأميركيون وشركاؤهم في مطلق الأحوال على أنهم طرحوا أفضل عرضٍ ممكن على طاولة المفاوضات، يقول بيتر ستانو، المتحدث باسم الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي: «لقد استنُزِفت مساحة التفاوض منذ فترة، وأصبح النص النهائي الذي يراعي جميع الأطراف المعنيّة على الطاولة، لن يخضع هذا النص لأي مفاوضات جديدة»، وفي غضون ذلك، تتابع إيران تخصيب اليورانيوم وتتجنب رقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفي النهاية، يستنتج ستانو: «الزمن لا يصبّ في مصلحتنا، وقد حان الوقت لاتخاذ قرار سياسي حاسم».
* أنشال فوهرا