في الصميم: من نصدّق ومن نكذّب؟
لا ندري مَن نصدّق ومن نكذّب، فالغرب متضايق ويبدي انزعاجه من عمليات الحوثيين ضد سفنه، رغم الشكوك التي تدور حول الهدف منها. الغرب يقصف يومياً مواقع كثيرة للحوثيين كما يدّعي، والحوثيون يعترفون بها، ومع هذا يواصلون عملياتهم وكأن قصفاً حقيقياً لم يصبهم، أميركا تندد عند كل هجوم عليها، وتهدد بأنها سترد في الوقت والمكان المناسبين، مقتبسة تصريحات حكومات وميليشيات منطقتنا.
هذا الغرب هو من كبّل أيدي التحالف العربي ومنعه من تحرير «الحُديدة»، وهو من مهّد الطريق لإيران وأطلق يديها بتسليح وتدريب عملائها، ومنهم الحوثيون. الغرب الأعلم بأن إيران لا غيرها هي من تخطط وتدير وتأمر عملاءها، إنها من يعلن ذلك ليل نهار.
نتمنى أن يكشف لنا الغرب عن نواياه الحقيقية تجاه منطقتنا، فما نراه على أرض الواقع يكشف لنا زيف العداء الأميركي ــ الإيراني، فما يقوم به عملاء إيران من أعمال عدائية ضد أميركا وإسرائيل تبدو كأنها عمليات دعائية، ويزعمون أنهم وحدهم الذين يقفون ضد العدوان على غزة، وهم الوحيدون الذين يحملون راية تحرير القدس، والقدس منهم براء، وهم الوحيدون الذي يهاجمون القواعد الأميركية، وهذا قد يفسّر السكوت والصبر والهدوء الأميركي الغريب تجاه تلك الهجمات.
حتى السياسيون الأميركان استغربوا واستهجنوا تأخر حكومتهم وتلكؤها في الرد على قصف مواقعها وقتل جنودها، واتهموها بأنها حذرت الإيرانيين وعملاءهم قبل القصف، وتعمدت إعطاءهم فرصة كافية للهروب مع أسلحتهم من العقاب، فكان تأثيره عليهم صفراً.
أما إذا كانت هجمات الميليشيات العميلة حقيقية، وأنها تمردت على ولي نعمتها، فعندها سينطبق على أميركا المثل الكويتي «خبزٍ خبزتيه يا الرفلة إكليه»، فأميركا هي من ارتكبت الأخطاء القاتلة في منطقتنا، وعليها وحدها تحمّل عواقبها، فهي من أسقطت الشاه واستبدلته بنظام الملالي الطائفي، وهي من فتحت وشرعت أبواب المنطقة لإيران وعملائها، وهي التي موّلت تأسيس الحشود الإيرانية في العراق، وهذا ما كشفه رسمياً الكونغرس الأميركي سنة 2020، وهي مَن سمحت لإيران بالتدخل السياسي والعسكري السافر في أربع عواصم عربية، وحتى التدخل في تعيين الوزراء ورؤسائهم.
نقول: ألم يكن من الأفضل لأميركا وللغرب وللعالم لو أنهم وقفوا مع التحالف العربي بدلاً من هذه «البهذلة» المصطنعة أمام ميليشيات حوثية رأسمالها رشاشات وجنبيات، وأمام حشود طائفية عاثت فساداً في كل بلد دخلوه، والآن تمردت حتى على أسيادها، ولا يستبعد أبداً أن يكون تمردها أيضاً مسرحية يراد بها كسب تأييد السذج من بني يعرب، فهم الذين يُقتَلون، وبلادهم هي التي تُدّمر؟ أو لم يكن من الأسهل والأسلم أن يساعد الغرب اليمن الشرعي على محاربة الحوثيين، وضرب مركز القرار الذي يصدّر لهم السلاح والأوامر؟ أم أن هناك أمراً آخر يدبر بليل؟
نقولها مرة أخرى لصديقتنا وحليفتنا أميركا، إننا لا نزال في حيرة من أمرنا، فأقوالك لا تستقيم وأفعالك، وإلا فمن يوضح لنا لِمَ هذا الاستسلام والخنوع المشين أمام تلك الهجمات المهينة لها، ولماذا لا تقطع رأس الأفعى لو كانت هي فعلاً شيطانها الأكبر؟