فكرة هيبة الدولة بالمفهوم الحالي المبني على كم القوانين الرسمية وضمان تطبيقها قائمة على ثقافة الدكتاتوريات التي حكمت معظم دول العالم في القرن العشرين وانتقلت منها الأهداف ذاتها إلى الديموقراطيات الحديثة، فالفكرة في جوهرها إثبات لشيطانية المجتمع لا فضيلته، وإن فرض القانون هو العامل الذي يقود الى التزام الفرد وأمان المجتمع، ولو احترم المواطن حقوق الآخرين وتفهم حدود مسؤولية الدولة لما احتاج إلى القانون أصلاً، ولكان الالتزام بالأخلاق والقيم والروح التي استمدت منها كل القوانين ماهيتها وأهدافها يغني عن الكثير من القوانين، إذ لا يمكن إشهار سطوة القانون إلا حين تختفي القيم والأخلاق الرادعة للخطأ، فيبقى القانون وحده العامل الخارجي المانع للخطأ ما دام العامل الذاتي لا يقود إلى الصواب، ففي المجتمعات القيمية يكون القانون الفيصل فقط في تفسير الحدود بين المسموح والممنوع.
وقد لا يتوقف احترام القانون في المجتمعات الراقية عند حدود النص بل يتجاوزه إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال احترام الذوق العام للمجتمع وقيمه واحترام خصوصيات الناس والإيثار والزهد بالأشياء لأجل من هم أحوج إليها، والكثير من الالتزامات التي لا تتضمنها النصوص القانونية، بل ليس من حق المشرّع أن يفرضها لأنها حالات خاصة خاضعة للظروف الزمانية والمكانية، فالتخارج والتداخل بين الخاص والعام مسؤولية أخلاقية لا تستطيع النصوص التعامل معها بكل أبعادها ومخرجاتها، حيث تتوقف هذه النصوص عند التقنين المادي الملموس فقط، ولا تستطيع التعامل مع المعنوي المحسوس بالمطلق، فالأخير يمكن استشعاره بصور ضمنية حالمة ولا يمكن التحدث عنه بكلمات ذات معان محدودة أو قوالب ذات سياق محدد، ولذا فإن كثرة القوانين والتشدد في تطبيقها وضمان التزام الناس بها قد يؤدي إلى نتائج ممتازة للدولة والمجتمع لكنه لا يدل على جودة المجتمع ورقي السلوك الفردي فيه.
ورغم أن معظم البشر لا يحترمون القوانين إنما يهابونها فقط فإن مثل هذا التعميم غير دقيق بل لعله بعيد عن الدقة أصلاً، فما زال البعض يلتزم بالقانون احتراماً له لا خوفاً منه، حتى إن كان هذا البعض قليلاً فذلك يثبت القاعدة ولا ينفيها، ولعلني أعتقد أن القانون يبقى ضرورياً لتنظيم العلاقة بين مجموعة من الأفراد السيئين، لكنه لا ينظم علاقة الأفراد المحترمين ببعضهم لأنهم لا يحتاجون إلى قوانين تنظم العلاقة بينهم بل إنهم الأقدر على فرض قوانين غير مكتوبة، حيث تبقى الأخلاق والقيم والأذواق أكبر أثراً وأعظم تنظيماً من كل القوانين، ولو توافرت هذه القيم وتوابعها داخل المجتمع من خلال انتشارها عبر معظم أفراده لما احتجنا للقوانين أصلاً، فرغم سطوة القانون في الدول المدنية الحديثة فإن البعض يتحايل على القانون متى ما وجد الفرصة سانحة ووجد إمكانية القيام بعمل قد يتسبب بالضرر للآخرين دون أن يتوافر النص القانوني الذي يجرّمه، والأمر شبيه بالأخلاق والقيم المجتمعية التي قد يستسهل البعض تجاوزها لأنه قادر على تقديم التبريرات المناسبة لهذا التجاوز، لكن تجاوز القيم والأخلاق وإن لم تعالجه النصوص القانونية يبقى مثل الصرخة في أعماق المتجاوز تقلل من قيمته في نظر نفسه.
وقد لا يتوقف احترام القانون في المجتمعات الراقية عند حدود النص بل يتجاوزه إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال احترام الذوق العام للمجتمع وقيمه واحترام خصوصيات الناس والإيثار والزهد بالأشياء لأجل من هم أحوج إليها، والكثير من الالتزامات التي لا تتضمنها النصوص القانونية، بل ليس من حق المشرّع أن يفرضها لأنها حالات خاصة خاضعة للظروف الزمانية والمكانية، فالتخارج والتداخل بين الخاص والعام مسؤولية أخلاقية لا تستطيع النصوص التعامل معها بكل أبعادها ومخرجاتها، حيث تتوقف هذه النصوص عند التقنين المادي الملموس فقط، ولا تستطيع التعامل مع المعنوي المحسوس بالمطلق، فالأخير يمكن استشعاره بصور ضمنية حالمة ولا يمكن التحدث عنه بكلمات ذات معان محدودة أو قوالب ذات سياق محدد، ولذا فإن كثرة القوانين والتشدد في تطبيقها وضمان التزام الناس بها قد يؤدي إلى نتائج ممتازة للدولة والمجتمع لكنه لا يدل على جودة المجتمع ورقي السلوك الفردي فيه.
ورغم أن معظم البشر لا يحترمون القوانين إنما يهابونها فقط فإن مثل هذا التعميم غير دقيق بل لعله بعيد عن الدقة أصلاً، فما زال البعض يلتزم بالقانون احتراماً له لا خوفاً منه، حتى إن كان هذا البعض قليلاً فذلك يثبت القاعدة ولا ينفيها، ولعلني أعتقد أن القانون يبقى ضرورياً لتنظيم العلاقة بين مجموعة من الأفراد السيئين، لكنه لا ينظم علاقة الأفراد المحترمين ببعضهم لأنهم لا يحتاجون إلى قوانين تنظم العلاقة بينهم بل إنهم الأقدر على فرض قوانين غير مكتوبة، حيث تبقى الأخلاق والقيم والأذواق أكبر أثراً وأعظم تنظيماً من كل القوانين، ولو توافرت هذه القيم وتوابعها داخل المجتمع من خلال انتشارها عبر معظم أفراده لما احتجنا للقوانين أصلاً، فرغم سطوة القانون في الدول المدنية الحديثة فإن البعض يتحايل على القانون متى ما وجد الفرصة سانحة ووجد إمكانية القيام بعمل قد يتسبب بالضرر للآخرين دون أن يتوافر النص القانوني الذي يجرّمه، والأمر شبيه بالأخلاق والقيم المجتمعية التي قد يستسهل البعض تجاوزها لأنه قادر على تقديم التبريرات المناسبة لهذا التجاوز، لكن تجاوز القيم والأخلاق وإن لم تعالجه النصوص القانونية يبقى مثل الصرخة في أعماق المتجاوز تقلل من قيمته في نظر نفسه.