وأنا أتابع الحوار الذي أجرته السيدة نايلة جبران تويني بـ «النهار» مع الأستاذ بسام فريحة، استرجعت صورة والده سعيد فريحة وتاريخه والمجد الصحافي الذي بناه بدار «الصياد» وما تفرع منها من إصدارات كمجلة «الشبكة» وصحيفة «الأنوار» ومجلة «الصياد».
مات سعيد فريحة وأكمل أبناؤه مشروعه، خصوصاً إلهام وبسام فقد وصل عدد إصدارات دار الصياد إلى 14 مطبوعة وبعدد 1400 موظفاً على يديهما، لكن الهرم الذي شيدوه توقف وانتهى بستة أشخاص وبثلاث مطبوعات تصدر شهرياً.
قد يكون لأصحاب القرار مبرراتهم التي دعتهم إلى الانكفاء والهجران، بل أرى أن غياب وتأثير الصحافة اللبنانية في المحيط العربي ترافق مع ضعف وانهيار الدولة اللبنانية وبالأصح «المشروع اللبناني». لم يعد هذا البلد يمتلك خصائص التميز التي انفرد بها، ولم تعد البلدان الخليجية بحاجة إلى تلك المنابر، فقد أصبح لديها اكتفاء ذاتي بصحفها وتلفزيوناتها التي تفوقت بها على جيرانها، فوصلت أصواتها إلى أصقاع الأرض، في حين أن عواصم القرار العربي أصابها الترهل وأخذت بالتراجع إلى الوراء.
خسر لبنان تلك الحريات التي كان ينعم بها، وجعله موطناً آمناً للمعارضين واللاجئين العرب، يوم تحولت صحافته إلى ما يمكن وصفه بـ«واجهات» لعدد من الأنظمة العربية وحكامها.
تشعر بالأسى للتردي الذي أصاب أسماء لمعت في دنيا الصحافة اللبنانية وفي سماء العروبة، تساقط الواحد منهم تلوى الآخر إما بفعل الموت وإما بسبب الظروف المأساوية التي يمر بها لبنان وانعكاساتها الاقتصادية المدمرة، أضف إليها، تأثير «الوحش» الذي اقتحم ساحات التواصل الاجتماعي والثورة التكنولوجية التي استوطنت جسد الإعلام وكادت تفتك به.
سليم اللوزي، صاحب إمبراطورية «الحوادث»، توقف هذا المجد بعد الإجهاز عليه واغتياله بجريمة بشعة، وحتى إن انتقلت ملكية المجلة إلى آخرين إلا أنها تعتبر في عداد المفقودين.
أين رياض طه نقيب الصحافة، صاحب «الكفاح العربي» ومجلة «الأحد» وكذلك وليد أبو ظهر، وأيام «الوطن العربي» و«المحرر» في عهد شقيقه هشام، حيث لم يعد لهم وجود على الأرض بعد رحيلهم؟ أين طلال سلمان صاحب صحيفة «السفير» التي غابت بغيابه عن هذه الدنيا، وكأنها لم تكن؟ وأين «الحياة» من أيام ناشرها كامل مروة كأهم صحيفة لبنانية، وجورج أبوعضل صاحب مجلة «الأسبوع العربي»؟
ما بقي من صحف حية وناطقة بالكاد تصدر وتوزع وبشق الأنفس، وبحدود مساحة لبنان أي 10.450 كلم مربع، بل هي باتت صحفاً مناطقية داخل حدود البلد وبأعداد متواضعة، كان الله في عونهم. كنت مندمجاً بحديث «البودكاست» مع الأستاذ بسام فريحة ورحلته والمحطات التي راح يروي ذكرياته فيها وبأريحية، خصوصاً علاقته مع الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وأبنائه من بعده وحاكم البحرين، علماً أنه يحمل جنسية البلدين.
يعترف وبجرأة عن الفرص التي أضاعها لبنان عليه وعلى أبناء جيله الذين هجروا بلدهم، فهو تنقل بين لندن وباريس ليستقر في أبوظبي، وما لم أكن أعرفه أنه رجل مهتم باللوحات الفنية، عزم على بناء بيت يخصصه لعرض اللوحات التي اقتناها منذ 50 سنة شاءت الظروف أن تخصص له مساحة في أرض المتاحف، تحمل اسمه، يتشارك مع آخرين بأن يعطى لهم «بيوت» لعرض لوحات فنية، عملوا على جمعها، أرادوا أن يشيعوا ثقافة الفن والرسم والاستمتاع بها، على أن تبقى مصونة وبأيدي جهات مسؤولية عن حفظ التراث والفن وبفتح غاليرات دائمة.
يتخوف الأستاذ بسام فريحة على الصحافة الورقية التي ينتابها أعراض المرض والضعف سنة بعد أخرى بعدما دخل الذكاء الاصطناعي على الخط، ووصل تأثيره إلى معظم مناحي الحياة، لكننا لم نسمع منه، وبالخبرة الطويلة التي يمتلكها، لماذا انكفأ عن تجديد الروح والحياة في مشروع ورثه عن والده وأعني به دار الصياد؟
هدية الأب بطرس غريب
حرص الأرشمندريت بطرس غريب، النائب البطريركي للروم الكاثوليك في الكويت والخليج العربي على التواصل مع أصدقائه ومحبيه بمناسبة شهر رمضان المبارك بتقديم هدية رمزية لهم تعبيراً عن وفائه ومحبته، يتصادف بداية شهر رمضان 11 مارس 2024 مع صوم المسيحيين للروم الكاثوليك، والذي يبدأ يوم 27 فبراير ولمدة 40 يوماً.