يعدّ الراحل الدكتور أحمد الخطيب أحد ألمع الرموز السياسية المعارضة والتقدمية على الساحتين المحلية والعربية، فقد امتلك كاريزما قيادية وحضوراً شعبياً وتقديراً واحتراماً رسمياً، لما عُرِف عنه من سداد الرأي، ودقة ملاحظاته وتحليلاته السياسية، رحب الثقافة، مطلع دؤوب على المستجدات من الأحداث، راسخ على المبادئ الإنسانية لا يحيد عنها في أحلك الظروف وأقسى المواقف، صلب العود والإرادة، لا يتردد عن المواجهة مهما كان مقام خصومه، صريح العبارة، فالحق عنده لا يثنيه باطل.
خطا الخطيب في درب السياسة باكراً، فأثناء دراسته في الجامعة الأميركية في بيروت شارك بحماسة في المظاهرات المنددة بالعدو الصهيوني أثناء حرب 1948م، وبالتالي عايش القضية الفلسطينية منذ بداياتها أحداثاً وتفاصيل، كانت البوابة التي وَلَج منها للسياسة وانخرط فيها وعياً وهماً، فشَكّل مع زملائه لجنة المقاطعة للدول المساندة للصهاينة، وكان أحد العناصر القيادية للعمل الطلابي العربي القومي، ليعقب ذلك انتقاله من قيادي في جمعية «العروة الوثقى» إلى مؤسس وقيادي في حركة القوميين العرب التي امتدت شبكتها وتأثيرها إلى غالبية الدول العربية، مطالبةً بالتحرر من بقايا الاستعمار مع تطبيق الحكُم الديموقراطي في الدول المحررة.
ومع رجوعه إلى وطنه عام 1952م كأول طبيب بشري كويتي، انغمس الراحل بالمجال السياسي والنشاط الثقافي والأدبي والرياضي، فأسس أول صحيفة أسبوعية في الكويت (صدى الإيمان) وكان رئيس التحرير فيها، أعقبها مشاركته في تأسيس «النادي الأهلي الثقافي الرياضي»، وبعدها تأسيس «النادي الثقافي القومي» البذرة الأولى لنادي الاستقلال الذي حُلَّ من السلطة عام 1976م.
لقد عُرِف عن الراحل قربه من نبض الشارع، فكان مختلطاً بكل الطبقات، مشاركاً الطوائف، متفهماً مشاعر المعاناة وقساوة الهموم، آيةً في الإيثار، نائباً في البرلمان صباحاً، مداوياً لمرضاه بعيادته مساءً، كريماً وشفيعاً باليسير من الأجر لذوي الحاجة من مرضاه، رأفةً ومحبةً لهم، لذا اُلتُفّ حوله واختير عضواً بالمجالس البرلمانية التي ترشح لها، لم يتخل عن ناخبيه رغم إغراءات السلطة له بـ«الوزارة»، ناذراً نفسه حصناً منيعاً للحريات والحقوق لشعبه الوفي.
لقد كان د.الخطيب مثالاً للمعارضة الواعية، برز بالأداء البرلماني الراقي متجنباً الصخب والاستعراض أو الابتزاز السياسي، مع حرصه على الانتقال من نظام الحُكم العشائري إلى النظام الديموقراطي، تشهد له بذلك مداخلاته بالمجلس التأسيسي الذي كان فيه نائباً للرئيس، وتأكيده الدائم على أن الأمة مصدر السلطات جميعاً.
بصماته وجهوده– مع بقية أعضاء مجالس الأمة– ساطعة في التصدي للقضايا النفطية، فكان خصماً عنيداً للشركات الأجنبية الاحتكارية، فأسقطوا اتفاقية تنفيق العوائد 1965م، واتفاقية المشاركة عام 1971م، ليسترجع الشعب الكويتي حقوقه كافة في ثروته النفطية وعوائدها مع تأميمها بالكامل 1975م.
بالإضافة إلى مشاركته أعضاء البرلمان في إنشاء المحكمة الدستورية 1973م، والمحكمة الإدارية 1981 م، والتصدي لسراق المال العام وفضح الفاسدين في السلطة، وإجهاض المحاولات اليائسة للسلطة لوأد الدستور، والمشاركة بعدها في احتجاجات «دواوين الإثنين» ورفض ما يسمى «المجلس الوطني».
المتابع لسيرة الراحل الخطيب لا يمكنه تجاوز دوره الوطني في مقاومة العدوان العراقي الغاشم على الكويت، من خلال مشاركته الفاعلة في مؤتمر جدة الشعبي، فكان حريصاً على تأكيد الشرعية الدستورية لأسرة الحكم وتوثيقها مع حق الشعب في ممارسة الديموقراطية من خلال دوره المقرر بالدستور مع إعادة العمل به.
بالأخير، علينا أن نُقِر بصعوبة تقصي كل الأدوار الوطنية والقومية التي ناء الراحل د.الخطيب
بمسؤولياتها وهمومها خلال أكثر من تسعة عقود أمضاها من عمره، فيها المبادئ والقيم الأخلاقية والإنسانية هي مرشده ومنهجه، وهذا سر عظمته وجلالة مقامه، رحل د.أحمد الخطيب جسداً
وحلّ روحاً من خلال مذكراته– جزأين– نتمعّن فيها سيرته العطرة نبراساً لجيل تُعقد عليه الآمال بوطنٍ سعيد وآمن.