التصويت في ميشيغان... ورسالة الناخبين
كانت الرسالة التي أرسلها يوم الثلاثاء الماضي أكثر من مئة ألف من «الديموقراطيين» في ولاية ميشيغان الذين أدلوا بأصواتهم بأنهم «غير ملتزمين» واضحة تماماً (التصويت بـ«غير ملتزم» يشير إلى أن الناخب يمارس حق التصويت لمصلحة ذلك الحزب السياسي، ولكنه غير ملتزم تجاه أي من المرشحين المدرجين في بطاقة الاقتراع).
لقد كانوا يطلبون من الرئيس بايدن الدعوة إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة وإجراء تغييرات جذرية في السياسة لأنهم كانوا يواجهون مشكلة في التصويت له أو تشجيع الآخرين على القيام بذلك، ولا شك أن هذا يمثل مشكلة كبيرة، ففي المقام الأول، من الصعب دائماً حشد الناس للتصويت بأنهم «غير ملتزمين».
من الأسهل بكثير الفوز بالأصوات لمرشح بديل مثل جيسي جاكسون أو بيرني ساندرز لأن المؤيدين يريدون مساعدتهم على الفوز، وحث الناخبين على الإقبال على التصويت بأنهم «غير ملتزمين» هو أمر أكثر صعوبة لأن هؤلاء في هذا المعسكر يميلون إلى عدم التصويت على الإطلاق، وينبغي لنا أن ندرك أن جمع أكثر من 101 ألف صوت «غير ملتزم» كان بمنزلة مهمة ضخمة تجاوزت التوقعات بكثير.
كان المنظمون في ميشيغان قد حددوا هدفاً بسيطاً، وهو الوصول بعدد الأصوات إلى 10000 (هامش التصويت الذي أعطى دونالد ترامب الفوز على هيلاري كلينتون في عام 2016). كنت آمل أن يحصل هؤلاء الذين صوتوا بـ«غير ملتزم» على 5% من الإجمالي، وهي نسبة تمثل نسبة أصوات الأميركيين العرب في ميشيغان بالإضافة إلى بعض الحلفاء.
عندما أظهرت النتيجة النهائية أن 13.3% من إجمالي الأصوات اختارت «غير ملتزم»، كان من الواضح أنها لم تكن مجرد نسبة كبيرة من المجتمع العربي أقبلت للمشاركة بأعداد كبيرة، وللوصول إلى نسبة 13.3% يشير إلى أن مجموعات أخرى- بما في ذلك الناخبين الشباب والسود والمسلمين والتقدميين- قد شاركت في التصويت أيضاً، لكي ندرك السبب وراء تركيز «الديموقراطيين» بشكل كبير على ميشيغان، من المهم أن نفهم أن رؤساء الولايات المتحدة لا يتم انتخابهم بناءً على عدد الأصوات الإجمالية التي يحصلون عليها في الفرز الوطني، ولكن من خلال مجموعة الولايات التي يحققون فيها فوزاً.
تُمنح كل ولاية عدداً من الأصوات الانتخابية يساوي عدد أعضاء الكونغرس المخصص لكل ولاية (على أساس عدد سكانها) بالإضافة إلى اثنين (لعدد أعضاء مجلس الشيوخ)، وتذهب الأصوات الانتخابية للولاية إلى المرشح الذي يفوز بالتصويت الشعبي لتلك الولاية، وفي السنوات الأخيرة صوتت ولايات مثل نيويورك وكاليفورنيا، كما كان متوقعاً، لـ«الديموقراطيين»، في حين ظلت ولايات أخرى مثل تكساس وألاباما وميسيسيبي «جمهورية»، ونتيجة لذلك، لن ينفق المرشحون موارد الحملة للمنافسة في هذه الولايات، ولأن بعض الولايات مثل ميشيغان يمكن أن تذهب في أي من الاتجاهين، فهي محل نزاع شديد.
ولأنه من الصعب على «الديموقراطيين» إنشاء تشكيلة من الولايات تمنحهم أغلبية رابحة لا تشمل ميشيغان، فإن تلك الولاية لها أهمية أكبر من الولايات التي من المتوقع أن تكون «ديموقراطية» أو «جمهورية».
كما أنها تمنح الأميركيين العرب، الذين يشكلون ما لا يقل عن 3.5% من ناخبي ميشيغان، الفرصة لتأدية دور أكبر في تشكيل نتائج الانتخابات الوطنية، لذلك أرسل 13.3% من «الديموقراطيين» في ميشيغان والذين صوتوا بـ«غير ملتزم»، رسالة قوية إلى الرئيس بايدن: «استمع إلينا وأعطنا سبباً للتصويت لك، وإلا فإنك تعرض إعادة انتخابك للخطر». قد يعتقد المرء أن الرسالة واضحة بما يكفي لفهمها، ولكن، حتى الآن، يبدو أن حملة بايدن لم تفهم ذلك، وكان أسلوبهم في التعامل مع المجتمع العربي قبل التصويت، في أحسن الأحوال، متشدداً.
ولم يعقدوا اجتماعات مع القادة الأميركيين العرب على مستوى الوطن لمناقشة السياسة، واكتفوا بدلاً من ذلك بمحاولات فاشلة للقاء الأميركيين العرب من ميشيغان، والذين يحاولون تأمين أصواتهم، وقد رفض معظم قادة المجتمع المشاركة في هذه الاجتماعات في غياب تغييرات حقيقية في السياسة، وحاول ممثلو بايدن تهدئة غضب المجتمع العربي في ميشيغان من خلال تقديم بعض أنصاف التدابير، واعتذر أحد مسؤولي بايدن عن عدم تعاطف البيت الأبيض مع معاناة الفلسطينيين.
ولكن عندما سُئل مسؤول آخر متى سيدعم الرئيس وقف إطلاق النار، رد بأن ذلك لن يحدث، كانت هناك إشارات أخرى للإدارة في الفترة التي سبقت التصويت في ميشيغان: فرض عقوبات على حفنة من المستوطنين الإسرائيليين لدورهم في أعمال العنف ضد الفلسطينيين، وتلميحات إلى أنهم قد يقدمون خطة لـ«مسار يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية في نهاية المطاف»، والضغط على الإسرائيليين لعدم اجتياح رفح، وقبل يوم واحد من التصويت، أشار بايدن بشكل مرتجل إلى أنه يعتقد أنه سيكون هناك وقف مؤقت لإطلاق النار في غضون أسبوع أو نحو ذلك.
ولم تكن هذه الإغراءات مقنعة لأفراد المجتمع العربي، بالتزامن مع هذه التلميحات، كان الناشطون «الديموقراطيون» ينشرون رسائل مضادة، مفادها أن التصويت بـ«غير ملتزم» سيكون أصغر من أن يهم، وبغض النظر عن عدد الأشخاص المستائين من بايدن الآن، فإنه في نوفمبر، عندما يواجه الأميركيون العرب خيار ترامب مقابل بايدن، سيختارون بايدن، وأخيراً كان هناك من قال، إن ما يريد الأميركيون العرب من الرئيس أن يفعله للفوز بأصواتهم سيكون صعباً لأن الضغط على إسرائيل قد يؤدي إلى تنفير الناخبين اليهود.
هذه الحجج جوفاء ويمكن رفضها بسهولة:
أولاً، كان التصويت الاحتجاجي بـ«غير ملتزم» واحداً من أكبر التصويتات التي تم تسجيلها على الإطلاق، وكان من الواضح أنه كان كافياً لإحداث تغيير في نوفمبر.
ثانياً، من الخطورة وقصر النظر استبعاد أي مجموعة من الناخبين عندما نعلم من استطلاعات الرأي الحالية وانتخابات 2020 أن إجمالي 70 ألف صوت في الولايات المتأرجحة الرئيسية يمكن أن يغير نتيجة الانتخابات.
وأخيراً، من المهين للغاية أن تطلب حملة بايدن من الأميركيين العرب أن يتقبَّلوا مشاعر الألم والغضب من أجل الحفاظ على مشاعر فئة أخرى لا يُطلب منهم أي شيء على الإطلاق، وما فعله الناخبون الذين صوتوا بـ«غير ملتزم» في ميشيغان هو وضع علامة «نريد منك تغيير السياسة لإنقاذ الأرواح، وإذا لم تفعل ذلك فإنك تخاطر بخسارة أصواتنا والمجموعات الرئيسة التي تدعم وقف إطلاق النار والعدالة للفلسطينيين».
* رئيس المعهد العربي الأميركي في واشنطن.