شهدنا فيما يزيد على الثلاثين عاماً الماضية فشلاً مخيفاً للديموقراطية الكويتية، وهي - أي تلك الثقافة الواردة - اختزلت الوطن وبالتبعية برنامجها في بعض الأمور التي لا تهدم الديموقراطية فحسب، بل تهدم الوطن، وهي:
- الوطن سفينة عبور وغنيمة للاقتسام، تحريف التاريخ بوقائعه ومدوناته.
- الجنسية أداة تربُّح وكسب الولاء حيث العطاء، وعند توقّفه لا ولاء.
- اللااستقرار أداة الابتزاز السياسي.
- الفوضى بديلاً للنظام.
- تغيير بيانات الهوية وسيلة التغلغل الاجتماعي والسياسي.
- الشهادة ورقة والوظيفة تسيّب.
- التذمّر الدائم وعدم القناعة بنعم الأمن والرزق والانتماء.
- الفزعة العدوانية والمتعدية للقانون.
ومن يراقب المنحنى الشديد الهبوط في الممارسة الديموقراطية منذ 1992 يلحظ مظاهر لاختزال الوطن بتلك الأهداف، يجمع بينها مجموعة شروخ تنذر بسوء القادم من الأيام، إذا ما استمرت الديموقراطية على هذا المنوال، وبالتأكيد هي ليست ديموقراطية عبدالله السالم ولا جيل المؤسسين بالمجلس التأسيسي، فضلاً عن كونها منقطعة الصلة بدستور 1962، وإن ادّعت زيفاً، خلاف ذلك.
فهناك محاولات محمومة لتزوير تاريخ الكويت بتغيير حقائقه ووقائعه ومدوناته، أملاً بتغيير السياق التاريخي للكويت وتطوّرها بمراحل معروفة وموثقة، وهم لم يمروا بها ولم يعيشوها، ولا يعرفونها، لذلك اتجهوا لتزوير التاريخ، لكنّهم فشلوا حتى اليوم.
وكلّنا يعرف أن عابري السبيل والرُّحّل لا يرتبطون بالأرض ولا يحرصون على ذلك، فاستقرارهم المؤقت دائماً حيث توجد الغنيمة، وأية غنيمة وجدوا في الكويت فلم يتريثوا لاقتناصها واقتسامها، وهكذا غدت الجنسية مدخلاً للحصول على الغنيمة، فهي الأداة التي تمكنهم من ذلك، فلم يترددوا في تغيير ولائهم تبعاً للعطاء المحقق، وكلما اضمحل العطاء تغيّر الولاء لمن لديه عطاء أكثر، فلم يتجذّر لديهم الولاء للوطن، بل أصبح لمن يُجزل العطاء.
وقد تعمدوا أن يحدثوا مقابل ذلك حالة من اللااستقرار لغايات الابتزاز السياسي، وكان لازماً لنجاح ذلك أن تحلّ الفوضى محل النظام، ليتم ركن الدستور والقوانين على الرفّ، مع إبقاء التلويح بهما عند الحاجة لإشاعة الفوضى، فيتم التدثّر، حينها، بالدستور تغليفاً لتلك الغايات وتحقيقاً لها.
لكن الولوج إلى مجتمع محكم في مكونه السياسي والاجتماعي، على مدى عقود، من الوشائج المبنية على المعرفة الشخصية والثوابت الوطنية والقانونية، كان صعب الاختراق، فتم التغلغل الناعم من خلال تغيير البيانات والأسماء والوقائع التاريخية، فكان ذلك ثغرة ولجوا منها، لكنها واضحة في تشخيصها ومكوناتها، بسبب متانة المكون السياسي والاجتماعي، وفطنة القيادة السياسية ومراقبتها للأمور، وهكذا ظهرت موجة المؤهلات والشهادات مدخلاً لذلك العبور التاريخي، وفي أكنافه ولتعجيل خطواته وتحقيق مراميه، كان لا مفر من رفع نسبة الشهادات والمؤهلات، فتمخّض عن ذلك ظواهر الشهادات المزورة والمؤهلات المصطنعة، وتزامن معها ابتزاز سياسي في ظل أجواء الفوضى، وتأجيج ذلك بحالة تذمّر مستمر ومطالبات غايتها تفتيت مقدرات الدولة واقتسامها، دون اكتراث بنعم الأمن والاستقرار والرزق والانتماء، لغياب قيمة القناعة، التي كانت سمة وقيمة حاضرة لدى أهل الكويت وأجيالهم المتعاقبة.
وفي تلك الأجواء شاعت ثقافة الاستقواء والفزعة العدائية المعادية للنظام والقانون والمنطق والعقل، وهذا هو المخاض الذي تعيشه الكويت اليوم.
وقد شخصت القيادة السياسية ذلك الانحدار المخيف في منحنى مسار الوطن، فنبهت إليه بشكل مباشر في 22/ 6/ 2022، بمنح ما يمكن اعتباره (الفرصة الأخيرة) لتصحيح المسار، ولم يتم إنزال ذلك التنبيه منزلته اللائقة به، ولم يتم تدارك المسار الخاطئ، فجاءت المكاشفة والمصارحة والتنويه المباشر بخطاب 20/ 12/ 2023، وحينها تم لوم السلطتين على إضرارهما بمصالح البلاد والعباد!
ورغم طول نَفَس السلطة السياسية وسعة بالها، وحرصها على الذود عن حياض الوطن، فإن الثقافة الواردة لا تزال تتقوقع حول تلك الأهداف التي اختزلت الوطن بأهداف هادمة وممارسات منحرفة.
فهل تكون الانتخابات القادمة في 4/ 4/ 2024، فرصة عودة الوعي وتقويم المسار، أم أنها ستكون القشّة التي تعجّل قصم الوطن، ومن ثم تذهب الفرصة الأخيرة أدراج الرياح، بما يستدعي علاجاً أخيراً، كما يقولون «آخر الدواء الكي»، حتى يتم الذود عن الوطن والحفاظ عليه؟