بقايا خيال: استطلاع آراء «النفع العام» مضيعة لوقت سمو الرئيس
في بداية سبعينيات القرن الماضي لجأ المرحوم محمد السنعوسي مدير التلفزيون آنذاك إلى مدير عام مجلس التخطيط في تلك الفترة الراحل أحمد الدعيج، يطلب منه إعداد استبيان يتضمن مجموعة أسئلة على مجالس إدارات جمعيات النفع العام الكويتية التي لم يكن يزيد عددها على ثلاثين جمعية، للتعرف عن قرب على القضايا الاقتصادية والسياسية والتعليمية والصحية التي تهم قطاعا عريضا من المواطنين، لمناقشتها عبر مختلف البرامج الإعلامية.
ولأن مجلس التخطيط كان منوطاً به إجراء الاستطلاعات الميدانية والاستفتاءات والاستبيانات العلمية المبنية على الأرقام والبحث العلمي، قام المجلس بإعداد كراسة تتكون من أكثر من ثلاثمئة صفحة تضمنت آراء أعضاء جمعيات النفع العام الكويتية من مواطنين ووافدين ومقترحاتهم وأفكارهم، لخصت تطلعاتهم إلى نوعية البرامج التي يجب أن تعرض عبر وسائل الاتصال بالجماهير سلمته لوزارة الإعلام، حينها استطاعت الوزارة عبر محطاتها الإذاعية وقناتها التلفزيونية الوحيدة آنذاك أن تعد برامج تثقيفية لاقت رواجاً ونجاحاً ملحوظا بين جمهور المستمعين والمشاهدين وصل صداها إلى دول الخليج العربية كافة.
أقول هذا لأنني قرأت خبراً غريباً نشر في الصحف الكويتية الصادرة صباح يوم الجمعة الموافق 23 من فبراير المنصرم يتعلق باستقبال رئيس مجلس الوزراء، سمو الشيخ الدكتور محمد صباح السالم الصباح لرؤساء وأعضاء عدد من جمعيات نفع عام كويتية بهدف استطلاع آرائهم حول القضايا المطروحة على الساحة المحلية عبر لقاءات شخصية متفرقة، بالإضافة إلى تزويده من ذوي الاختصاص في هذه الجمعيات بأفكار ومقترحات بناءة تصب في مصلحة الوطن والمواطنين، وتساءلت حينها عن عدد الساعات التي استغرقها سموه للانتهاء من سماع أقوال أربع جمعيات نفع عام فقط ليست كلها من الوزن الثقيل على الساحة المحلية.
حقيقة استغربت من هذه الخطوة التي سنها سمو رئيس مجلس الوزراء، لما ستستنزفه طريقته في استطلاع آراء المجتمع المدني من وقته الثمين، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار أولاً أن هناك أكثر من 140 جمعية نفع عام كويتية تعمل على الساحة الكويتية بمختلف التخصصات والأغراض والأهداف، وثانياً أن القضايا الملحة التي تستوجب وضعها على قائمة الأولويات كثيرة ومعقدة لن تحصل على حقها من الاهتمام، ومن بينها قضايا سياسية واقتصادية وتعليمية وصحية وخدماتية وقضايا فساد استشرت في كثير من القطاعات الحكومية وغير الحكومية بشكل واضح وفاضح.
أنا شخصياً أعرف أن وزارات الدولة ومؤسساتها قادرة على تزويد سمو رئيس مجلس الوزراء بكل ما يحتاجه من أفكار وآراء ومقترحات لتحسين الأداء الحكومي، كما أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل نفسها هي المسؤولة المباشرة عن نشاطات كل مؤسسات المجتمع المدني، وكلها تعمل تحت مظلة هذه الوزارة، التي تستطيع أن تتصل مباشرة بكل جمعية نفع عام على حدة، وتسلمها استبيانا يتضمن قائمة طويلة من الأسئلة للإجابة عنها بالتفصيل الممل خلال أسبوع واحد أو أسبوعين.
كما تستطيع وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن تفرغ هذه الاستبيانات، عن طريق إداراتها البحثية، وتستخلص منها النتائج العلمية لتمكن الحكومة من تحقيق خططها المستقبلية، أقول هذا لأن بعض ضيوف سموه من المنتسبين لجمعيات النفع العام لم يسعفهم الوقت لطرح كل أفكارهم على بساط البحث، كما أعرف أن وقت سمو رئيس الحكومة ثمين لم يتمكن بسبب ضيق الوقت من سماع كل شيء من كل المجتمعين، لهذا أتمنى أن تؤخذ فكرة الاستبيان بعين الاعتبار وتطبيقه في الواقع العملي لما فيه من خير وفير لبلادي ولمختلف القطاعات الحكومية وغير الحكومية.