حركت زيارة المبعوث الأميركي الى لبنان، آموس هوكشتاين، المسارات السياسية مجدداً، فنصيحته لنواب المعارضة بعدم رفض الحوار، كانت إشارة ضمنية الى ضرورة التركيز على انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة تشكيل السلطة، وهو ما دفع بقوى المعارضة الى تكرار رفضها أي مبدأ للمقايضة بين ما يجري في الجنوب، وبين الاستحقاقات السياسية الداخلية، وأهمها استحقاق إنهاء الفراغ الرئاسي.
وفي هذا السياق، هاجم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع «قوى الممانعة»، متهماً إياها بإجهاض مبادرة كتلة الاعتدال النيابية، فيما أكد رئيس حزب الكتائب سامي الجميل أنه لا يمكن الذهاب للحوار مع حزب الله، وهو متمسك بمرشحه.
وبحسب المعلومات فإن اللقاء الذي عقد بين وفد من كتلة الاعتدال والحزب لم يخرج بنتائج جدية، وقد استشف وفد «الاعتدال» أن الحزب رحّب بهم وبمبادرتهم ظاهرياً، لكنّه لم يقدّم أي إشارة إيجابية للتجاوب مع المسعى، وهو ما سيقودهم إلى تجديد تحركهم بجولة ثانية تشمل غالبية الكتل النيابية.
حركة سياسية أخرى تمثلت في الاجتماع الجديد، وهو الثالث الذي يُعقد لسفراء الدول الخمس المعنية بالملف اللبناني، أي الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية وقطر ومصر، هذه المرة في السفارة القطرية بعد لقاءين سابقين في دارة السفير السعودي، وبضيافة السفير الفرنسي في قصر الصنوبر.
وتشير مصادر دبلوماسية الى أن استئناف تحركات السفراء الخمسة هو لإعادة تأكيد رفض أي مساومة أو مقايضة بين تسوية الوضع في الجنوب وبين الانتخابات الرئاسية. كما أن هناك إيجابية ضمنية لدى السفراء الخمسة حيال تحرّك كتلة الاعتدال، على قاعدة إلقاء مسؤولية معالجة الشغور الرئاسي على عاتق اللبنانيين، الذين يجب أن يتفاهموا فيما بينهم للوصول الى اتفاق.
في موازاة هذين التحركين، أعاد حزب الله تدوير محركاته أيضاً من خلال تجديد الانفتاح على رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، إذ إن العلاقة التحالفية بين الطرفين تمرّ بمرحلة من التعقيدات والاختلافات، خصوصاً في ظل التباعد بين حزب الله وتوجهات زعيم التيار جبران باسيل من جهة، وبعد موقف ميشال عون المنتقد لانخراط حزب الله في القتال بالجنوب وفتح جبهة لبنان، معتبراً أنها تعرّض البلاد لمخاطر، علماً بأن الخلاف الأبرز بين الجانبين يتمحور حول رئاسة الجمهورية، وبسبب رفض عون وباسيل لترشيح سليمان فرنجية.
وجد حزب الله نفسه معزولاً بنتيجة هذه المواقف، لا سيما أنه لم يطلق أي طرف لبناني موقفاً مؤيداً لما يقوم به الحزب في الجنوب، فحتى المرشح الرئاسي للحزب، سليمان فرنجية، كان حذراً في إطلاق موقف يؤيد فيه عمليات حزب الله، إنما اكتفى سابقاً بالإشارة الى التضامن مع غزة وضرورة منع اسرائيل من مواصلة الاعتداءات على لبنان.
ويسعى حزب الله من الانفتاح مجدداً على عون لإعادة تكوين وخلق جو سياسي مؤيد له، كما أنه لا يريد لهذه العلاقة أن تنتهي، خصوصاً أن الذكرى السنوية لإعلان التحالف بين الجانبين في فبراير الماضي كانت قد مرّت من دون أي إحياء لها، ومن دون أي مواقف إيجابية حولها من قبل الجانبين.
من هنا يظهر أن الحزب يعمل على مسارين، مسار المفاوضات في الجنوب لمنع توسّع الحرب والمسار الآخر استعادة تعزيز علاقاته مع حلفائه، وخصوصاً الطرف المسيحي. ذهب حزب الله الى عون بعنوان واضح كشفه رئيس كتلة الحزب النيابية محمد رعد الذي قال: «الزيارة كانت فرصة لإطلاع عون على الأوضاع الميدانية، وفرصة لتعزيز الوحدة الوطنية في وجه العدو، وعلى الصعيد الوطني نحن بحاجة إلى أن نبدي النوايا الحسنة ولتمتين التخاطب المسؤول بين المعنيين».
هو موقف واضح يريد الحزب من خلاله أن يعزز علاقاته الداخلية، ويبقي الخطوط مفتوحة باتجاه أي احتمالات لاحقاً، خصوصاً في حال تحتم على الجميع الذهاب للبحث عن مرشح ثالث كخيار انتخابي وفق ما تطرحه القوى الخارجية.