من صيد الخاطر: «الحضرمي عمر با هبري»
حادثة حصلت ونُشر عنها، وهي تدور حول منشور كُتب فيه: «اشتروا أفخر أنواع الشاي من عمر با هبري»، هذا المنشور أسقطته طائرات عسكرية بريطانية على اليمنيين، ليس من أجل دعاية يسوَّق فيها نوع من الشاي، ولكن لسبب آخر وراءه قصة حقيقية وطريفة حدثت إبان الاستعمار البريطاني للجنوب العربي، كان بطلها التاجر الحضرمي عمر با هبري.
عاش الحضرمي با هبري فترة الاستعمار البريطاني للجنوب العربي، وكان وقتها يغلي وينتفض ضد الإنكليز طلباً للاستقلال، وكان عمر على علم ودراية بأخبار ولغات الشعوب الأخرى، ومن بينها الإنكليزية، باعتباره تاجراً اختلط بتجار أجانب من عدة دول.
وحصل أن واجه الإنكليز خلال فترة الاستعمار صعوبة كبيرة في التواصل مع اليمنيين، لعدم وجود مترجمين يُعتد بهم، فاضطروا إلى الاستعانة بصاحبنا عمر، فطلبوا منه ترجمة جمل تُكتب على منشور تدعو فيه العدنيين إلى الثقة بهم والخضوع لهم.
عمر با هبري «لم يصدق خبر» فاستجاب من فوره للطلب الإنكليزي، واستغل عدم إلمامهم باللغة العربية، فضرب عصفورين بحجر، فهو من جهة خدع الإنكليز بترجمته لمنشورهم فلم يمكّنهم من نشر ما يفت في عضد مقاومة العدنيين لهم، ومن جهة أخرى خدم مصالحه التجارية، فحصد أرباحاً طائلة من وراء دعاية مجانية حصل عليها منهم، فقد قام الماكر با هبري بكتابة المنشور باللغة العربية بطريقته الخاصة، وتم إسقاط الملايين منه بالطائرات على أمل أن يكسب الإنكليز ولاء اليمنيين.
ولكن حصل بعد مدة أن زار جنرال بريطاني عدن لتفقد الأوضاع فيها، وكان ملماً باللغة العربية، فوقع بين يديه أحد تلك المنشورات، وما أن قرأه حتى صعق، فسأل الضابط المسؤول عن الدعاية في عدن عن مضمونه، فرد قائلاً: إنه منشور لكسب دعم وولاء الأهالي لنا، فسأله الجنرال بدهشة عن المكتوب فيه؟ فرد قائلاً بكل ثقة: المكتوب هو أن النصر المبين للإنكليز... فانضموا لنا... إلخ إلخ، فرد عليه الجنرال: بل كتب «اشتروا أفخر أنواع الشاي من عمر با هبري»، يا غبي.
نقول: المعروف عن إخواننا الحضارمة الذكاء الفطري، والبراعة في التجارة وإدارة الأعمال، والتمكن من التواصل مع الشعوب الأخرى، وهم من يرجع لهم الفضل بعد الله في نشر الإسلام في كل أنحاء جنوب شرق آسيا، أما أهم ما يميزهم فهو أمانتهم ومحبة الناس لهم، خصوصاً الكويتيين.
حادثة طريفة لها مغزى، فتعلُّم لغات الأعاجم أمر مستحق، لاسيما لغات الأعداء، وقد نُقل أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال لزيد بن ثابت: «إني لا آمن يهود على كتابنا، أو سِرّنا»، وأمره أن يتعلم العبرانية، فتعلمها، وقد قيل قديماً: «من تعلم لغة قوم أمِن مكرهم».