بايدن يبدو عاجزاً وضعيفاً في غزة
بعد أحداث 7 أكتوبر اتخذ الرئيس بايدن قرارا يرتكز على قناعة وحسابات، لقد أعلن تضامنه التام مع إسرائيل، وربما حَسِب أن الطريقة الوحيدة كي يكون لديه أي تأثير على إسرائيل هي احتضانها بقوة وإبداء تعاطف حقيقي وإرسال الأسلحة التي تحتاجها وبذلك يكسب ثقتها لكي يشكِّل رَدَّها (على تلك الأحداث). كانت تلك استراتيجية مُفَكَّر فيها باستفاضة، لكنها فشلت تماما تقريبا.
منذ البداية حثت إدارة بايدن الإسرائيليين على وضع اعتبار لتناسب الرد على حماس مع ما حدث (عدم الاشتطاط وتجاوز الحد)، سمعت إسرائيل ذلك لكنها مضت قُدُما في شن واحدة من حملات القصف الأوسع نطاقا في هذا القرن ضد سكان يبلغ عددهم 2.2 مليون نسمة ويوجد وسطهم وفقا لتقديرات إسرائيل نفسها نحو 30 ألفاً فقط من مقاتلي حماس، وحسب تقدير في يناير إما تضرر أو دُمِّر ما يزيد على نصف المباني في غزة.
نصحت الولايات المتحدة إسرائيل بعدم شن غزو بري كبير على غزة ودعتها إلى اتخاذ مقاربة محدودة تستهدف القضاء على مسلحي حماس وبنيتها التحتية، وعقدت الحكومة الإسرائيلية الكثير من الاجتماعات المطولة مع المسؤولين الأميركيين ثم مضت قدما في تنفيذ غزوها البرِّي.
دعا فريق بايدن إلى وقف القتال لأغراض إنسانية لكنه حصل على هدنة قصيرة فقط عندما أمكنه أن يسعى إلى الحكومة القطرية للتوسط في تبادل الرهائن.
بعد انتهاء العمليات الأولى للغزو أبلغ المسؤولون الأميركيون المسؤولين الإسرائيليين أن ما حدث في شمال غزة لا يمكن أن يحدث في جنوبها، لكن بعد طلب إسرائيل من سكان غزة الانتقال إلى الجنوب من أجل سلامتهم قامت بقصفه على نحو أقرَّ بايدن نفسه بأنه كان «عشوائيا».
ضغطت الولايات المتحدة على إسرائيل مرارا وتكرارا لبذل جهود أكبر لحماية المدنيين الأبرياء لكن دون فائدة تُذكَر، وهي الآن تنصحها بعدم غزو رفح، المدينة القريبة من مصر والتي يتكدَّس فيها أكثر من مليون فلسطيني، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وعد بغزو رفح سواء تم التوصل إلى صفقة رهائن أم لا.
حذرت الولايات المتحدة من أنه لن يكون هنالك استيلاء إسرائيلي على الأراضي في غزة ولا احتلال إسرائيلي جديد لها بعد الحرب، وتخطط الحكومة الإسرائيلية للقيام بكليهما، والنتيجة هي أن السياسة الأميركية تجاه حرب غزة تبدو الآن غير موفقة وبدون فعالية ولا أخلاقية.
مشهد المسؤولين الأميركيين وهم يعبرون عن القلق تجاه خسائر المدنيين وفي الوقت ذاته يقدمون المزيد من الأسلحة لإسرائيل يبدو بشعا، وصورة رئيس الولايات المتحدة وهو يغمغم بكلمات مثل «عشوائي» و«تجاوز الحد» في وصف أعمال القصف الإسرائيلية يوحي بالضعف والاستسلام لما يحدث.
جزء من المشكلة أن بايدن بثقته في الحكومة الإسرائيلية إنما يثق بنتنياهو السياسي الماكر على نحو استثنائي والذي يعرف كيف يتعامل مع الرؤساء الأميركيين ببراعة، لقد فعل ذلك على مدى عقود، وهذه المرة تغلب على بايدن في الدهاء والمناورة والفعل.
لكن المشكلة تتجاوز نتنياهو، وإسرائيل في صدمة، لقد هزتها أحداث 7 أكتوبر حتى النخاع، والإحساس بالأمان الذي افتُرض أنها ستحققه لسكانها تضعضع، ونتيجة لذلك يسمح العديد من الإسرائيليين بسياسات سيندمون عليها بشدة.
وبايدن كصديق حقيقي لإسرائيل لديه الصدقية الكافية لإخبارهم بالحقيقة علنا ومباشرة وربما في خطاب للكنيست الإسرائيلي كما اقترح ذلك خبير السياسات الخارجية ريتشارد هاس.
فمنذ بداية الحرب قتل 30 ألف فلسطيني في غزة عددٌ كبير منهم أطفال، ونحو واحد بين كل أربعة أشخاص على شفا المجاعة، وكل سكان غزة تقريبا يعتمدون على العون الغذائي.
وفي أواخر ديسمبر تقلصت امدادات المياه إلى 7% عما كانت عليه قبل الحرب، ومعظم مشافي غزة لم تعد تعمل، لقد وصف نك ميانارد وهو جراح زائر من أكسفورد الوضع في أحد المشافي القليلة التي لا تزال تعمل جزئيا بقوله «شهدنا أطفالا كثيرين قدِموا بجراح مفزعة، وكنا نعلم أن العديدين منهم لا محالة سيموتون، ولا نستطيع أن نقدم لهم مسكِّن ألم، فكثيرا ما لا يوجد مورفين، ولا سبيل لهم كي يموتوا بكرامة، لذلك غالبا ما يتركون بالمعنى الحرفي لهذه الكلمة كي يلفظوا أنفاسهم الأخيرة على البلاط في ركن قسم الطوارئ».
تقول إسرائيل إن هدفها هو القضاء على حماس تماما، ويمكن قتل مسلحي حماس، ويمكن اجتثاث بنيتها التحتية، لكن لا يمكن القضاء على حماس لأنها حقا فكرة، (الفكرة هي أن) المقاومة المسلحة السبيل الوحيد كي يحصل الفلسطينيون على حقوقهم، ولهزيمة هذه الفكرة أنت بحاجة إلى فكرة أفضل، أي إلى طريقة لتوضيح أن العمل غير العنيف والتعاون سيقودان الى حياة أفضل للفلسطينيين وإلى أمن دائم لكلا الشعبين.
على بايدن الذهاب إلى إسرائيل وإظهار «حُبِّه» لها بذكر هذه الحقائق القاسية، كما سيُظهر بذلك أيضا لأميركا والعالم أنه لا يزال يملك (ما هو كافٍ) من الطاقة والوضوح والحكمة للقيادة.
* فريد زكريا كاتب رأي في صحيفة واشنطن بوست ومقدم برنامج يتناول القضايا الدولية والشؤون الخارجية على شبكة «سي إن إن».