من بعد نكبة 1948 لم يكن مسموحاً أو متاحاً للعرب عموماً التعرف على «عدوهم» إلا من خلال «إعلام موجّه» يقدم لنا كمستمعين ومشاهدين ما يريده هو ويخدم سياسته، وأوضح مثال على ذلك شهرة أحمد سعيد وإذاعة صوت العرب، زد عليهم صحافة أحزاب قومية في سورية والعراق ومناصرين لها.

من كان يخرج عن هذه المنظومة يعدّ «خائناً» و«عميلاً» استمرت هذه الظاهرة بتغييب العقل العربي إلى مرحلة ما بعد نكسة حرب 5 حزيران 1967 لتخرج أصوات ودعوات عربية ومن بينها مؤسسات بحثية كمركز الأبحاث الفلسطيني ومؤسسة الدراسات الفلسطينية تدعو لنقل ما يدور داخل هذا الكيان بالصورة الصحيحة مهما كانت.

Ad

اليوم دخل علينا «جسم غريب» أعني وسائل التواصل الاجتماعي التي تؤدي دوراً مخيفاً ومدمراً بتشويه الحقائق وتضليل الرأي العام، وصرنا أسرى لبعض المقولات، نرددها ونوزعها دون أن نعي مخاطرها أو نتحقق من صحتها.

أثارني موضوع يجري تداوله بين الناس، وعلى أساس مقولة صديقنا المرحوم سليمان الفهد، والذي كان له الفضل بالتحذير من «وكالة يقولون».

المعلومات والمنشورات التي تضج بها وسائل التواصل الاجتماعي أن هناك جامعة في إسرائيل تحمل اسم «جامعة تل أبيب الإسلامية» ويرفقون معها صورة وكلاما وأحاديث حول «وكر الجواسيس»، وبكونها جامعة مشبوهة طلابها يهود ينتمون إلى «الموساد»، والأنكى من كل ذلك أن «المعلومات المنقولة» نسب بعضها إلى دكتور أزهري متخصص في الدراسات الإسلامية قال كلاماً محشواً بالخرافات! وأعطى صورة أن «جامعة تل أبيب الإسلامية» تعمل على تخريب وتشويه الدين الإسلامي وتخرّج «عملاء ترسلهم إلى الخارج!»

قمت بعمل بحث استقصائي واستعنت بباحثين جادين ومعروفين، ثلاثة منهم من فلسطين أكاديميون من عرب 48، وباحث فلسطيني مقيم في الأردن، وآخر مقيم في أميركا، تبين لي أنه ليس هناك شيء اسمه «جامعة تل أبيب الإسلامية» فهذا اسم وهمي، يوجد قسم للدراسات العربية الإسلامية داخل جامعة تل أبيب والتي أنشئت عام 1956، وكان عمادها بالتأسيس ثلاثة معاهد بحثية هي:

كلية تل أبيب للقانون والاقتصاد تأسست عام 1935، ومعهد العلوم الطبيعية تأسيس 1931، ومعهد الدراسات اليهودية، شكلت معاً جامعة تل أبيب، أما اسم «جامعة تل أبيب الإٍسلامية» فهو تخيلات تم اختراعها على يد حركات إسلامية متطرفة ولأغراض سياسية ودينية محضة.

الوقائع تقول إن جامعة تل أبيب حظيت باعتراف كامل من مؤسسة التعليم العالي عام 1969، صنفت ضمن أفضل الجامعات عالميا، تقدم خدماتها لما يقارب 29000 طالب جامعي، وتمنح طلابها شهادة تحظى باعتراف محلي وعالمي، وتضم ما يزيد على 100 معهد وقسم محلي وعالمي للبحث في مجالات مختلفة، ومنها برنامج آثار وحضارة الشرق القديمة العربية والإسلامية، وبرنامج متفوقين في الفلسفة والاقتصاد والعلوم والسياسية، وتاريخ الشرق الأوسط، وتاريخ إسرائيل، والتلمود، واللسانيات السامية، وشرق آسيا، وفرنسا، واللسانيات (علوم الدماغ) وغيرها من البرامج.

ولديهم في الجامعة منحة الوقف الإسلامي التي تدار من قبل مكتب رئيس الحكومة، وتتوجه لطلاب الجامعات والمعاهد الأكاديمية في إسرائيل، ومن خريجي الجامعة أسماء إخبارية إعلامية وناشطة وبشارة مرجية، وجمال قعوار (شاعر)، وجورج القرا (قاض)، وخالد كبوب (قاض)، وإيمان خطيب ياسين، وهي أول محجبة تنتخب نائبة في الكنيست، وإيمان حداد ماجستير في الإعلام السياسي.

ومن أشهر خريجي جامعة تل أبيب البروفيسور العربي الفلسطيني الدكتور يوسف مشهراوي من مدينة يافا.