في الصميم: «العناد القاتل»
لا يُعقَل أن حركة حماس لم تتوقع رد فعل العدو الإسرائيلي الوحشي على هجومها يوم 2023/10/7، أو أنها لم تحسب حساب عواقبه المدمِّرة على غزة وأهاليها، فماذا كان الهدف من عمليتها هذه؟ ولماذا اختير لها هذا التوقيت الحرج بالذات، وقت مباحثات حل الدولتين المقبول من الجميع إلا إسرائيل وإيران؟
هل كان هدفها تحرير سجنائها، أم تحريك قضية فلسطين عالمياً؟ أم يا تُرىَ كان تنفيذاً لتعليمات خارجية بوعود كاذبة وخديعة مميتة؟ فالهجوم لم يحرر سجناءها، بل أثار حفيظة العالم ضدها، وأثار لاحقاً حنق المتعاطفين على إسرائيل لوحشيتها ضد الغزاويين الأبرياء، إلا أنه لا المظاهرات ضدها، ولا الخطابات الرنانة والعواطف الجياشة ألجمت عدوانها.
الهجوم الحماسي، عَلِمتَ أم لم تعلم، خدم إسرائيل حتى تستكمل مخططها القديم الذي بدأ بعزل «حماس» لغزة عن السلطة الشرعية تحت سمعها وبصرها، فهذا بالتأكيد ما أرادته، لأنه كان الغريب وغير المنطقي سكوت إسرائيل عن تحويل غزة إلى إمارة موالية لإيران ولحرسها الثوري.
الآن وبعد أن وقعت الفأس بالرأس، وبعد أن دُمرت غزة بمستشفياتها ومدارسها ومنازلها وبنيتها التحتية، وبعد أن استشهد عشرات الآلاف من سكانها، ونزح أكثر من مليون ونصف غزاوي منها، بدأ الصياح واستجداء وقف إطلاق النار بدون مقابل، وهذا لن يحدث، و«حماس» تعلم ذلك، ومع ذلك فهي تعاند وعنادها قاتل لأهل غزة.
إسرائيل لن توقف قصفها الوحشي، قد توقفه فترة لأجل إطلاق سراح أسراها، و«حماس» تدرك ذلك، إسرائيل ستوقف القتال نهائياً إذا خرجت «حماس» من غزة، و«حماس» تعلم بذلك، ولكن «حماس» تعاند، إسرائيل دولة توسعية استعمارية، والهجوم الحماسي عليها أعطاها الذريعة والغطاء الأميركي الغربي لتنفيذ مخططها بإفراغ غزة، والبدء بمشروع «قناة بن غوريون»، و«حماس» تعلم بذلك.
فهل ما قامت به «حماس» في ذلك التاريخ الأسود مبرر؟ وهل لو قامت إسرائيل بإطلاق سراح كل أسرى فلسطين، وحتى لو توقفت عن قصف غزة، وحتى لو لم تشترط خروج «حماس» منها، فهل ما حلّ بغزة وسكانها مبرر؟ وهل سلامة قادة حماس ومنتسبيها وإطلاق أسراها يساوي ما نُكبت به؟
ليس هناك أشنع من تحويل الهزائم والدمار إلى انتصارات وهمية، وليس هناك أكثر إجراماً من القاتل إلا المتباهي بدماء القتيل، دم شهداء غزة في رقبة من تباهى به، فأنتم من ألقى بهم إلى التهلكة، يشارككم في الذنب كل من صفق وهلل لكم، متعمداً كان أم مخدوعاً، فما حدث انتحار ومذبحة جماعية وليس نضالاً.
فلا عزاء للفلسطينيين، فهم لن يحصلوا على غزة كما كانت، أما إسرائيل فقد حصلت على الدعم المالي والعسكري والسياسي من حلفائها، وحتى الرياضي، وأما «حماس» فكان نصيبها المزيد من التشجيع الحار للمزيد من العناد القاتل، وبقيادات ترفل بالصحة والعافية، وأما غيرها فليذهب إلى الجحيم.
لقد كان حل الدولتين جاهزاً حسب الاتفاق العربي الأميركي الذي ترفضه إسرائيل، والذي يتعارض مع مصالح إيران لأنه سيعزلها عن عملائها، وما حصل في غزة أفادهما وأجهض فرصة سلام كانت ستكون المسمار الذي سيدق في نعش الدولة الصهيونية على المدى الطويل.
مأساة غزة مؤلمة، ولكن يجب ألا تعمينا العاطفة عن حقيقة ما حدث، فهل هناك من حكيم شريف يتجرأ ويعلق جرس الخطيئة في رقبة من ارتكبها؟