في عام 1965، شارك العلايلي في فيلم «الرجل المجهول»، للمخرج محمد عبدالجواد، ولعب دور «رشوان» ابن العُمدة أمام صلاح قابيل وزيزي البدراوي وكمال حسين وسلوى محمود، وتدور القصة حول «صفية» الفتاة الريفية الجميلة التي يريد والدها أن يزوجها لشاب ثري، ويوافق على خطبتها من ابن العمدة ويحدد موعدًا للزفاف، لكن رشوان سرعان ما يغيّر رأيه ويحاول الزواج من فتاة أخرى.
وظهرت صورة العلايلي لأول مرة في ملصق فيلم «السيد البلطي» (1967)، تأليف صالح مرسي وإخراج توفيق صالح، ولعب دور البطولة أمام سهير المرشدي وتوفيق الدقن وعبدالبديع العربي ومحمد نوح. وتدور الأحداث حول أسرة «البلطي» التي تعمل في الصيد، وتُصاب بالتفكك بعد وفاة عميدها «السيد البلطي» وتنشب بينهم العديد من الصراعات.
وجسّد العلايلي شخصية «الشيخ الضرير» في فيلم «قنديل أم هاشم» (1968)، قصة يحيى حقي وسيناريو صبري موسى وإخراج كمال عطية، وبطولة شكري سرحان وسميرة أحمد وأمينة رزق وعبدالوارث عسر وماجدة الخطيب والممثلة الألمانية إم كوليكوفشكي.
ويدور الفيلم حول طبيب العيون «إسماعيل» المولود في حي السيدة زينب، ولديه عيادة بنفس الحي، ويكتشف بعد فترة من مزاولة المهنة أن سبب فشله في علاج أهالي الحي، أنهم يستخدمون زيت قنديل المسجد، وعندما حاول توعيتهم، انقلبوا عليه لاعتقادهم أنه يهاجم معتقداتهم الدينية، فلا يجد أمامه غير المزج بين العلم والمعتقدات.
واختتم العلايلي مرحلة الستينيات بفيلم «3 وجوه للحب» (1969)، وجسّد شخصية شاب يرغب في السفر إلى القاهرة، ليكمل تعليمه، ويواجه العديد من المآزق، وشارك في بطولة الفيلم أشرف عبدالغفور وميمي شكيب وسميرة محسن وجلال عيسى، وإخراج مدحت بكير.
الناس والنيل
وتعد معظم أفلام العلايلي علامات مضيئة في تاريخ السينما العربية، ولكن تجربته مع المخرج يوسف شاهين، أحدثت الفارق في مشواره كممثل موهوب، وبدأت في «الأرض» (1970)، قصة عبدالرحمن الشرقاوي وسيناريو حسن فؤاد، وهو الفيلم الذي تم ترشيحه للسعفة الذهبية أكبر جوائز مهرجان كان السينمائي، ونال جائزة التانيت الذهبية في أيام قرطاج السينمائية، وفي هذا الفيلم تألق بتجسيده شخصية الفلاح الشاب «عبدالهادي» أمام كوكبة من النجوم منهم محمود المليجي، ويحيى شاهين، ونجوى إبراهيم، وعبدالوارث عسر، وتوفيق الدقن، وصلاح السعدني، وحمدي أحمد.
تدور أحداث «الأرض» في قرية مصرية خلال حقبة الثلاثينيات، ويبلِّغ العمدة الفلاحين أن حصة ري أراضيهم صارت مناصفة بينهم وبين محمود بك الإقطاعي، ليثور الفلاحون على هذه التعليمات، وعلى رأسهم محمد أبوسويلم، ويقترح محمد أفندي تقديم عريضة إلى الحكومة، وتتفاقم الأمور عندما يقترح محمود بك إنشاء طريق يربط بين قصره والشارع الرئيسي، ما يستلزم انتزاع جزء من أراضي الفلاحين.
ويعد فيلم «الاختيار» (1971)، تجربة مهمة في مشوار العلايلي، وحصل من خلاله على الجائزة الذهبية من مهرجان قرطاج، وشارك في بطولته مع النجمة سعاد حسني، ومحمود المليجي، ويوسف وهبي، وعبدالرحمن أبوزهرة، وهدى سلطان، ومديحة كامل، وسعد أردش، وعلي الشريف. وفي هذا الشريط السينمائي جسّد العلايلي شخصيتي التوأم «محمود وسيد»، الأول كاتب مشهور، ويستعد للسفر مع زوجته إلى الخارج، للعمل في هيئة الأمم المتحدة، لكنه يقرأ في إحدى الصحف خبر مقتل توأمه «محمود» فيؤجل سفره ويتصل بالشرطة للبحث عن قاتل أخيه، وتدور حوله الشكوك.
وكان المطرب عبدالحليم حافظ المرشح الأول لبطولة الفيلم، وبعد رفض العندليب المشاركة به بدون غناء، أسند يوسف شاهين الدور للفنان محمود ياسين، كأول بطولة له، ولكن ياسين كان مرتبطاً ببطولة فيلم آخر، وطلب منه شاهين أن يتفرغ لتصوير «الاختيار» لكنه اعتذر، فذهب دور «التوأم» إلى عزت العلايلي.
وفي «الناس والنيل» (1972)، أسند إليه المخرج يوسف شاهين، دورًا محوريًا هو (الطبيب أمين) أمام سعاد حسني وصلاح ذوالفقار ومحمود المليجي وسيف عبدالرحمن وفاطمة عمارة ومديحة سالم، ومن روسيا الممثلة فالنتينا كوتسينكو والممثلين يوري كامورنيج وفلاديمير إيفاشوف.
والفيلم تأليف الكاتب الروسي نيكولاي فيجوروفيسكي، وسيناريو حسن فؤاد، وتدور أحداثه بعد تحويل مجرى النيل عام 1964، من خلال قصة الطبيب أمين الذي يلتحق بالعمل في مشروع السد العالي، من أجل خدمة العاملين فيه، بينما ترفض زوجته «نادية» فكرة الانتقال إلى مدينة أسوان (أقصى جنوب مصر)، وعلى الجانب الآخر يعاني المهندس الروسي «أليكس» مشكلات مع زوجته «زويا» التي تريد العودة إلى بلدها.
أزمة فيلم
وقدّم الفنان عزت العلايلي الكثير من الأعمال الجيدة لأدباء ومخرجين كبار من أجيال متعاقبة، منهم الكتاب أحمد باكثير ونجيب محفوظ ويوسف السباعي وإحسان عبدالقدوس ويحيى الطاهر عبدالله، ومن المخرجين صلاح أبوسيف وكمال الشيخ ويوسف شاهين وتوفيق صالح.
كما قدم أكثر من عمل تاريخي، مثل فيلم «القادسية» ومسلسل «بوابة الحلواني» و«الطريق إلى إيلات»، كما كان صاحب الرصيد الأكبر كفنان مصري من الأفلام التي أنتجتها دول عربية أخرى منها الجزائر وتونس والمغرب والعراق وسورية ولبنان.
وتألق العلايلي في الدراما التلفزيونية وشارك في بطولة عشرات المسلسلات، منها «قيد عائلي»، و«الجماعة»، و«الشارع الجديد»، و«العنكبوت»، و«اللص والكلاب»، ونال العديد من الجوائز تقديرًا لموهبته وإسهاماته الفنية. ولكن بعض اختياراته، أثارت دهشة الجمهور والنقاد، وأبرزها مشاركته في فيلم «ذئاب لا تأكل اللحم»، الذي تضمن مشاهد جريئة، وتعرّض لهجوم كبير، وطوى الفنان الراحل صفحة ذلك الشريط السينمائي، ولكن الهجوم تجدّد مرة أخرى بعد نحو 40 عامًا.
وكان العلايلي قد انتقد فيلم «حلاوة روح» (2014) للفنانة هيفاء وهبي، بعد الأزمة التالية لعرضه، وانتقد بعض النقاد موقفه من الفيلم، لاسيما أن «حلاوة روح» لا يتضمن مشاهد مماثلة لفيلم «ذئاب لا تأكل اللحم».
والمثير أن العلايلي رفض الحديث عن «ذئاب لا تأكل اللحم» طوال حياته، كأنه لم يشارك في بطولته، ويبرر البعض مشاركته فيه بأنه كان في مقتبل حياته الفنية، ولكن بعد شهرته، رفض المشاركة في الكثير من الأفلام التجارية، وفيما بعد برر العلايلي هذا الرفض بقوله: «بعد أن تذوقت طعم الفن الحقيقي وبعد مشاركتي في أكثر من مهرجان وحصولي على جوائز دولية ومحلية لم يعد بإمكاني أن أتنازل من أجل المادة أو من أجل الانتشار، وعموماً أنا لا أحب مبدأ التنازل لا في العمل ولا في الحياة الشخصية».
إسكندرية الثلاثينيات
وعاد عزت العلايلي إلى أفلام يوسف شاهين، بعد غياب سبع سنوات، ولعب دور «الفتوة مرسي» في فيلم «إسكندرية ليه؟» (1979)، تأليف محسن زايد، وشارك في بطولته كوكبة من النجوم، منهم فريد شوقي ونجلاء فتحي ويوسف وهبي وأحمد زكي ومحسنة توفيق ومحسن محيي الدين ومحمود المليجي وعقيلة راتب وزينب صدقي وأسامة عباس وأحمد عبدالوارث وعبدالعزيز مخيون وعايدة كامل وعبدالله محمود.
والفيلم مستوحى من السيرة الذاتية للمخرج يوسف شاهين، ويتناول أحوال سكّان اﻹسكندرية خلال فترة الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945) التي اضطربت فيها أحوال الجميع، وفي قلب هذا المناخ يعيش «يحيى شكري مراد» المراهق المولع بالتمثيل، ويحاول إثبات ذاته ويفكر في السفر إلى أميركا لدراسة التمثيل، رغم ظروف والديه الصعبة، ومن قصته تتشعب العديد من القصص في كل أرجاء المدينة الساحلية.
سر صداقة العلايلي بموسيقار الأجيال
كان الفنان عزت العلايلي متعدد المواهب، وذا ثقافة رفيعة، ويعشق الموسيقى والغناء، ويجيد العزف على آلة العود، وبعد شهرته توطدت صداقته بالكثير من المطربين والملحنين، ومنهم موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، والتقى به كثيرًا على مدى سنوات طويلة.
وذات مرة كان العلايلي مسافرًا إلى باريس لتصوير مشاهد في أحد أفلامه، وأبلغ عبدالوهاب هاتفيًا بسفره، وسأله أن يشتري له أي شيء يريده، فطلب منه الحضور، وأعطاه الموسيقار ورقة بأسماء أسطوانات قديمة وحديثة لأغانٍ ومعزوفات موسيقية، وقرر العلايلي أن يشتري نسختين من كل أسطوانة، حتى يستمع لما يعجب عبدالوهاب، ويتعرف على ذائقته الموسيقية، وأدرك أن موسيقار الأجيال كان متابعًا جيدًا للقديم والحديث على حد سواء.
أم كلثوم تقدِّم نصيحة غالية لممثل على حافة الانهيار
رغم النجاح الكبير الذي حققه الفنان عزت العلايلي خلال مسيرته الفنية الطويلة، يبقى دوره في فيلم «الاختيار» (1970) من أصعب الأدوار المركّبة، واختبارًا لموهبته كممثل في تجسيد شخصيتين متباينتين (التوأم محمود وسيد)، ففي هذا العمل استعاد المخرج يوسف شاهين أصداء شخصية «قناوي» التي مثّلها في فيلمه الشهير «باب الحديد» (1958).
وحمل الفيلم مفاجآت عِدة، منها أن العلايلي كان صاحب الفكرة الأصلية للفيلم، وعرضها على يوسف شاهين، ليقوم الأخير بالبطولة، بينما يخرج العلايلي الفيلم، واقترح عليه أن يقوم بكتابة السيناريو الأديب نجيب محفوظ، ولكن شاهين تحمّس لفكرة الإخراج، وأصبح العلايلي بطلًا للفيلم.
ورغم إشادة النقاد بهذا الشريط السينمائي، وفوزه بجوائز في مهرجانات عالمية، فإنه لم يصمد طويلًا في دور السينما، لاسيما مع بداية انتشار الأفلام التجارية، وشعر العلايلي بصدمة شديدة، بينما شاهين كان معتادًا على ذلك في أفلامه السابقة، ويردد أنه لا يصنع أفلامًا لمخاطبة الغرائز، بل لتشكيل وعي ووجدان الجمهور.
وتعرّض العلايلي للهجوم من الجمهور، في حين تلقى «الاختيار» الإشادة في الخارج، وكان الإقبال على الفيلم كبيرًا في باريس، ووقتذاك كان شاهين يحضِّر لفيلم «الناس والنيل»، وأسند له دور «الطبيب أمين» مع مجموعة كبيرة من نجوم السينما المصرية والروسية.
ونسي العلايلي إخفاقه مع فيلم «الاختيار»، لكن اليأس تملكه في تحقيق طموحاته الفنية كممثل، وتقديم أفلام جيدة، لاسيما أنه كان في طريقه ليصبح من فناني الصف الأول. ولاحقًا كان على موعد مع لقاء غيّر مجرى حياته، حين أبلغه يوسف شاهين أن لديهما مقابلة مع السيدة أم كلثوم، لتقديم فيلم معها، وفي البداية لم يصدق أنه سيقابل المطربة الكبيرة، وبالفعل قابلها لأول مرة، وعندما وجدته حزينًا بسبب الفيلم قالت له كلمات انتشلته من حافة الانهيار، وسألته: «مَنْ خلق موهبتك؟» فرد عليها: «ربنا سبحانه وتعالى»، فقالت «من خلقها لن يتخلى عنك»، وخرج الممثل الشاب من منزل كوكب الشرق بحالة من الارتياح والثقة بالنفس.
يوسف شاهين أجبره على النزول في بئر ملوثة!
يعد فيلم «الأرض» من أكثر الأفلام التي اعتز بها الفنان عزت العلايلي، وشهدت كواليس العمل مفارقات عديدة مع المخرج يوسف شاهين وفريق العمل، وكاد مشهد الساقية أن يعرض حياة العلايلي والفنان علي الشريف للخطر، ورفض المخرج الاستعانة بـ «دوبلير» بدلًا منهما للنزول إلى البئر، وإنقاذ الثور.
وعند تصوير مشهد الساقية، أصيب العلايلي بوعكة صحية لأن مياه بئر الساقية كانت ملوثة، فضلًا عن التصوير في الصباح الباكر أثناء الشتاء القارس، وكانت مياه البئر شديدة البرودة، ولكن المشهد جاء واقعيًا جدا، ويُعد من أكثر المشاهد تأثيرًا في وجدان المشاهدين.
وتعتبر شخصية الفلاح الشاب «عبدالهادي» التي قدمها العلايلي في فيلم «الأرض» من بين أدواره البارزة في مشواره الفني، وقال عن هذا الفيلم: «تدربت كثيرًا على مشهد الساقية، وقمت بإعطاء نقود لفلاح ليعرف عمقها ويرى ما بداخلها سواء ديدان أو غيرها، لكنني فوجئت أن الفلاح رفض ورد لي الفلوس، وقال لي: «لا.. الساقية كلها أمراض»، واستغرق تصوير المشهد ساعات طويلة، وعندما عُرِض الفيلم كان رد فعل الجمهور رهيبًا وشجعني».
وكان الفيلم مرشحًا لنيل جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي الدولي، وعند وصول المخرج وأبطال الفيلم، فوجئوا بأن الغرف المقابلة لهم داخل الفندق، يُقيم بها فنانون يهود، يشاركون في المهرجان أيضًا، وكانوا يقدمون لهم المغريات كل يوم، للتعاون معهم في أعمال فنية، إلا أنهم تجاهلوا الأمر تمامًا، فمصر بالنسبة إلى العالم دولة مرموقة وكبيرة، كما تذكر العلايلي أن السيدة بيجوم أغاخان، زوجة أغاخان، أقامت لهم حفلًا على هامش مشاركة الفيلم في المهرجان.