صدر حكم قضائي من محكمة ولاية ديلاوير الأميركية للمنازعات التجارية قبل فترة وجيزة ضد الرئيس التنفيذي لشركة تيسلا Tesla Inc. إيلون ماسك Elon Musk، مضمونه إبطال قرار الجمعية العامة للمساهمين، الصّادر بمنْح ماسك 55 مليار دولار حزمة رواتب ومكافآت منذ عام 2018 على شكل خيارات أسهم.

رفَع أحدُ مساهمي شركة تيسلا - السيد Richard Tornetta - دعوى، تضمَّن ادّعاؤُه فيها أن ماسك لا يستحق هذا المبلغ الكبير جداً، وأنّ أعضاءَ مجلس إدارة شركة تيسلا أخلوا بواجب الولاء بعد اقتراحهم تلك الصفقة دون أنْ يأخذوا بالحسبان مصالحَ الشركة ومساهميها كلهم. ولأن ماسك يُعَدّ من كبار المُلاك المساهمين في تيسلا، يرى المدعي أنه كان من الواجب أن يسبق صدورَ قرار التصويت هذا دراسةٌ مستفيضة تنتهي نتيجتها إلى عدم وجود تعارُض مصالح بين ملكية ماسك للأسهم في الشركة ووظيفتِه رئيساً تنفيذيّاً لها.

Ad

غضب ماسك، المالك الرئيس لمنصة X (تويتر سابقاً)، من قرار القاضية التي أصدرت الحكم في حدود 200 صفحة، لأنّها قرّرت أنّ هذا المبلغ الطائل مع ما يستحقه الرؤساءُ التنفيذيون من أجرٍ هو غير عادل للشركة، إضافة إلى كونه أكبرَ حزمة أجرٍ تمّت الموافقة على منْحها في شركة مساهمة عامة، ليس على مستوى الولايات المتحدة الأميركية فقط بل في التاريخ، إذ لم يشهد العالم منْح رئيس تنفيذي مبلغاً كهذا.

وذكر المساهمُ الرّافعُ الدعوى أن ماسك ليس من حقه الحصولُ على مبالغ كهذه، وأنّه استَخْدم نفوذَه بوَصْفه المساهم الأقوى فيها.

وشكّكت القاضية في الصفقة والمفاوضات لأنها تمّتْ مع مديرين في الشركة على علاقة وثيقة بماسك، وأنّ المساهمين ضُلّلوا بالتصويت على ذلك.

صدر الحكم على الرغم من تصويت شركة تيسلا - وهي شركة مساهمة عامة مدرجة في بورصة ناسداك في نيويورك - على قرار المنح بنسبة 73 في المئة من إجمالي أصوات المساهمين في الجمعية العامة العادية. ويرجع أساس تلك الصفقة إلى حين كانت الشركة تحقق أرباحاً عالية ومعدلات نموّ مطّردة في الأعوام الأخيرة. رأى أغلبية المساهمين أن اقتراح مجلس الإدارة مناسبٌ لكونه يمنح ماسك حافزاً إلى استكمال إدارة الشركة بنجاح، خصوصاً أنه أحد أكبر المالكين في الشركة بنسبة تُقدَّر بنحو 20 في المئة من رأسمالها، وأنّها ما كانت لتُحقق ذلك النموَّ دونَ إدارة ماسك الحصيفة لها.

ولأن شركة تيسلا هي من الشركات المُتّخذة ولايةَ ديلاوير موطناً لها Place of Incorporation كأغلبية الشركات المساهمة العامة المدرجة في بورصتَي نيويورك وناسداك، بدأ ماسك حملةً تتّسم بروح مشاغبة عبر منصة X وفي الصحافة، ينادي فيها الشركات الناشئة حديثاً بعدم اتخاذ ديلاوير موطناً لها، وبأنّه يجدر بالشركات المتوطنة في ديلاوير في الوقت الحالي اختيارُ مواطنَ بديلة عن ديلاوير، وبأنه سيعمل على إقناع مساهمي تيسلا بالتصويت على نقل الموطن من ديلاوير إلى تكساس، وهي الولاية التي اختارها ماسك مركزاً رئيساً لتيسلا بديلاً عن ولاية كاليفورنيا في عام 2021.

وكان امتعاضُ ماسك من الحكم القضائي واضحاً، معتبراً أنّ المحكمة مدّت رقابتها على تصويتٍ صدر صحيحاً من الجمعية العامة بعد دراية واطلاع من المساهمين، وأنّ مثل هذا الحكم يمثل سابقة خَطيرة قد تفتح الباب لدعاوى كيدية مماثلة ضد شركات أخرى، وسيجعل مَن يرغب في الاستحواذ على شركات متوطنة في ديلاوير يفكّر ألف مرّة قبْل أن يُقدم على خطوة كهذه.

وما إنْ صَدَرَ الحكمُ السّابق حتى أعلن ماسك في الشهر الماضي عن نقل موطن شركة SpaceX - وهي شركة خاصة باستكشاف الفضاء - من ولاية ديلاوير إلى ولاية تكساس، ونقل موطن شركة Neuralink - وهي شركة خاصة أيضاً مجالها تطوير الواجهات الحوسبيّة الدّاعمة للعقل البشريّ - من ولاية ديلاوير إلى ولاية نيفادا. ولم يواجه ماسك أيّ صعوبات في إنهاء علاقة هاتين الشركتين مع ديلاوير، لكونهما شركتَيْن خاصّتَين يستحوذ فيهما على قدرتهما التصويتية، إذ يملك 79 في المئة من القدرة التصويتية في SpaceX ونسبة مقاربة في Neuralink. وسبق لماسك نقْلُ موطن شركة X من ديلاوير إلى نيفادا بعد تحويلها من شركة مساهمة عامة إلى خاصة.

عموماً، يبيّن ماسك أنّ اختياره لولايات مثل نيفادا وتكساس مواطنَ بديلةً للشركات من شأنه أن يعطي مُلاك الشركة، سواء أكانت مدرجة أم خاصة، الأريحية في اتّخاذ قرارات مهمة دون تدخل القضاء لاحقاً فيها لتعديلها أو إلغائها ما دامتْ صادرةً عن جماعة المساهمين في التصويت دون ضغوط عليهم من أيّ نوع من الإكراه أو التضليل. وبسبب مساحة الولايات المتحدة الأميركية الشاسعة التي تنفرد فيها كل ولاية من ولاياتها الخمسين بقانون شركاتٍ خاص بها، يستطيع ماسك تغيير موطن الشركات بسهولة ويُسر.

ويبقى سؤال يدور حول الذي قد تخسره الشركات التي تترك ديلاوير وتتجه إلى غيرها، إذ يشير القانونيّون الأميركيون إلى أن ذلك سيشكّل ظاهرة في الوقت الحالي، لأنْ لا ولايةَ أخرى حتى الآن فيها نظامٌ قانوني واضح ومستقر يتعلق بالسوابق القضائية الخاصة بالمنازعات التجارية وبسرعة حلها إلا ديلاوير.

ويبدو أن تكساس مستعدة لذلك، إذ يجري الآنَ العملُ على إنشاء دوائر تجارية خاصة بمنازعات الشركات، مفصولة عن الدوائر الأخرى، للحيلولة دون تكدّس الدعاوى في المحاكم. على أن تكساس لن تستطيع إقناعَ بعضِ القضاة الحاليين والسابقين - ممن لديهم خبرة قانونية طويلة في محكمة ديلاوير للمنازعات التجارية - بقَبول منصب (قاض) في هذه الدوائر المُنشأة حديثاً لنقل التجربة إلى تكساس، لأن رواتب القضاة في تكساس أقل بكثير ممّا يتقاضاه قضاةُ محكمة ديلاوير للمنازعات التجارية. ومَن يدري؟ قد يتغير الأمر لو عَرضت عليهم تكساس مزايا أعلى.

* أستاذ القانون التجاري وأسواق المال

كلية الحقوق – جامعة الكويت