سعدنا كثيراً برؤية السيد محمد الصباح، كما قام بالتعريف عن نفسه في الإعلان عن يوم الكويت الرياضي متخلياً عن بشته ولقبه السامي المستحق بتواضع صادق، وسعدنا أكثر بمشاركته في تلك الفعالية ممتطياً دراجته وبدعمه للنشاط الرياضي الحضاري المشترك بين الذكور والإناث مع عدم خضوعه للتيار الرجعي الساعي لإلغاء هذه الأنشطة مثل سعيهم لإلغاء الماراثون مؤخراً، وحتى لا تقتصر سعادتنا بأنشطة شكلية وعابرة نشاهدها في المناسبات فقط، نأمل أن يتم استغلال هذه الفرصة الذهبية لوضع قواعد جديدة وصلبة للرياضة في الكويت لما لها من أهمية فائقة في التنشئة الصحية والاقتصاد والولاء ورفع سمعة البلد في المحافل العالمية، بعد أن اقتصر تناول الإعلام الرياضي العالمي لنا في السخرية والتندر على سلوك حكّام المباريات والهوشات المقززة المتكررة، وهو تحصيل حاصل للمنظومة الحالية شديدة السوء، أكتبها أملاً أن تجد طريقها في نفوس قياداتنا وعلى رأسهم سمو رئيس مجلس الوزراء، وأخص بهذا المقال رياضة كرة القدم لكونها الأهم.
بتحليل النماذج الرائدة، التي تجعلنا نتسمّر أمام شاشات التلفاز يومي السبت والأحد لمشاهدة الدوريَّين الإنكليزي والإسباني، نجد أن مجموع عدد أندية كرة القدم في هاتين الدولتين يبلغ 70.000 نادٍ! وهو ما يوازي معدل نادٍ لكل 1.650 نسمة، وبتطبيق ذات المعدل علينا نجد أن الكويت بحاجة إلى 3.000 نادٍ لكرة القدم بكل المستويات لنصل يوماً ما إلى دوري ممتاز حقيقي ومنافس يعتمد على ذاته اقتصادياً من غير تدخل الدولة في أساليب غير مستدامة مثل شراء اللاعبين والتجنيس والإنفاق المرتفع على المنشآت والوظائف غير المنتجة، مع العلم بأن عدد أنديتنا حالياً هو 15، أغلبها تم تأسيسها في الستينيات عندما كان تعدادنا لا يتجاوز نصف المليون!
ماذا لو أرادت الدولة وفقاً لأساليب الإدارة الحديثة أن تضع نصب عينيها الوصول لهذا العدد من الأندية خلال 10 سنوات مثلاً؟ في البدء، عليها التوقف فوراً عن سلوكها الشيوعي الحالي والمتمثل في الهيمنة الرديئة على هذا القطاع، والذي ينجم عنه تصويت أعضاء الجمعيات العمومية بناءً على اعتبارات شخصية وسياسية لا تمت للإنتاجية بصلة، فالمساهم لا يربح ولا يخسر شيئاً من جيبه، لذلك لا يعنيه حقيقةً انتخاب الأكفأ.
ما المطلوب من الدولة؟ خلق بيئة حفّازة حقيقية لهذه الصناعة لتخلق عشرات الآلاف من فرص العمل الحقيقية إدارياً وفنياً ورياضياً، وتسهيل إجراءات تأسيس الأندية الجديدة بمختلف مستوياتها صغيرة كانت أم كبيرة بحيث لا يتطلب التأسيس أكثر من بضعة أيام، وتخصيص المواقع في المناطق السكنية بمساحات عدّة أصغرها بمساحة ملعب كرة مع بضعة مكاتب فقط، مع تحديد معايير مهنية لتخصيصها للمبادرين بعيداً عن الترضيات، وتسهيل وتيسير ودعم تحصيل مختلف الإيرادات ومنها الرعايات وبيع التذاكر وبيع البث والهدايا والمستلزمات الأخرى وغيرها من مصادر الدخل التي سيتنافس المتنافسون في ابتكارها وفق قاعدة العرض والطلب، ورقابة الدولة على ميزانيات تلك الأندية بعقلية حداثية، وتخصيص جوائز تشجيعية للبطولات على مختلف المستويات، والدعم الإعلامي والترويجي متمثلاً في بث المباريات على التلفزيون، وتسهيل إجراءات الحصول على تأشيرات الدخول والعمل للاعبين والكوادر الأخرى من الخارج، لينشط ويتنافس الجميع وخصوصاً الشباب خريجي المراحل الثانوية والجامعية، سيسقط بعضها وينجح الآخر، والبقاء للأصلح كما هي قاعدة الاقتصاد المستدام الذي لا يشكل عبئاً على الدولة.
هذه نواة حلم، لا يحبه ساستنا لأنه ينتزع منهم سلاحهم في تحقيق أهدافهم الشخصية، ولكن إن أردنا الإصلاح فليس هناك طريق آخر غير الاستفادة من النماذج الرائدة في العالم، بهذه العقلية فقط سيتغير واقعنا، وستتغير فلسفة صناديق الاقتراع الرياضي وغيرها المبتليات بأمراض عضال، يبدو الحلم وكأنه صعب المنال ولكنه لا يتطلب سوى... قرار شجاع.