جوهر الخلاف بين المجلس والحكومة
يبدو أن جوهر الخلاف بين المجلس والحكومة، الذي ينجم عنه غالبا صراع بين السلطتين أو حل المجلس، أخلاقيّ أكثر من كونه سياسيا، فعندما يطالب بعض الأعضاء برفع الرواتب بدعوى تحسين المعيشة للمواطنين، دون أن يكلفوا أنفسهم دراسة الموضوع دراسة عميقة من كل الجوانب، ليتضح للنواب من خلال تلك الدراسة إن كانت رواتب الموظفين في الكويت ضعيفة، مقارنة بالدول المشابهة للاقتصاد الكويتي، أم لا؟ ثم ألا يتناقض ذلك مع الرؤيا التي تطالب بتشجيع الشباب للالتحاق بالقطاع الخاص بدلا من تكدسهم في القطاع الحكومي الذي يعاني أصلا البطالة المقنعة؟ ثم ألا يتخوف أولئك النواب من ضعف المستوى الاقتصادي للدولة، ومستقبل الأجيال القادمة وهم يبعثرون الأموال بهذه الطريقة؟
مشكلة أخرى تؤدي إلى مزيد من الخلاف بين الحكومة والمجلس يجب التركيز عليها لأهميتها، وذلك عندما يخاطب بعض الأعضاء الوزراء بصوت عال وتعالٍ على الوزير، وكأنه يخاطب طفلا أو خادما، حتى الطفل أو الخادم لا يرضى الإنسان الراقي لنفسه أن يخاطبهما بهذه الطريقة السيئة، لذلك نرى أن الدين الإسلامي يعيب على من يستخدم هذا الأسلو ب في الحوار، كقوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ* وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ».
(الحجرات 4-5) يرى المفسرون أن الآيتين نزلتا في شأن وفد من بني تميم الذين وصلوا إلى المدينة في فترة الظهيرة، والنبي صلى الله عليه وسلم مرتاح في إحدى حجراته، فبدأ بعضهم يناديه عند منزله بصوت عالٍ قائلين، بما معناه «يا محمد اخرج إلينا، نحن وفد بني تميم، مدحنا زين وذمنا شين، من نمدحه أو نذمه سيتحدث العرب بما نقول»، نزلت هذه الآيات منتقدة ذلك الأسلوب في الحوار، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم بما في معناه «أنتم من يقول مدحنا زين وذمنا شين، ذلكم هو الله الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء، أما أنتم فبشر ممن خلق».
فالدين الإسلامي كان من أهم أهدافه نقل العرب من البداوة إلى التحضر والمدنية، ولعل من أهم مظاهر التحضر رفع مستوى الحوار، والتخاطب مع الآخر بأدب واحترام، ولعل مستوى الحوار السيئ الذي ينتهجه بعض النواب من أهم الأسباب التي جعلت كثيرا من الشباب المثقفين، سواء من الأسرة الحاكمة أو الشعب، ينأون بأنفسهم عن المشاركة في المناصب الوزارية، لذلك نأمل أن يستوعب النواب تلك المشكلة، لمصلحة بلادنا ومسقبل الديموقراطية في دولتنا.