إشكالية الديموقراطية الكويتية عميقة، منذ خطف الديموقراطية عام 1994، وهو تاريخ التخلي عن العقلانية الوطنية، وهيمنة عقلية نيابية مصلحية منحرفة، مراميها ومقاصدها ثلاثة أمور محددة:
1- المصلحة والمكاسب الخاصة مقدَّمة على كل اعتبار بكل وقت وفي جميع الأمور.
2- تأمين المقعد النيابي يبرر الميكافيلية البرلمانية، ولا مجال لقيم وسلوك برلماني رشيد.
3- تدمير منظومة البلد ومؤسساته والفوضى الانتهازية.
ويمكن تقسيم مسار البرلمان الكويتي وممارساته لمرحلتين:
الأولى: العقلانية الوطنية (62-94).
الثانية: العقلية البرلمانية الانتهازية (1994- الآن).
أما الأولى، فبدايتها تزامنت مع وضع الدستور، ومَنْ يتصفح محاضر لجنة الدستور ومضابط المجلس التأسيسي يدرك تجسيد العقلية الوطنية، فمصلحة الوطن وتكريس ودعم ممارسة برلمانية رشيدة كانت قاسماً مشتركاً، فمن وضع الدستور عايش جذور بناء الكويت ومخاض النقلة للدولة الحديثة، وشارك في ممارسات تجذير التفاهمات الوطنية، والتي كانت الشورى والديموقراطية الكويتية من نتاجها.
وهذا الجيل جاء من رحم البناة الأوائل للكويت، من أيام الغوص والسفر وحياة التكاتف والتقارب الاجتماعي والمعيشي، فكان جيل الوطن مزروعاً في داخله، وتكونت التفاهمات، بعد مخاضات جمعيَّة، ولدت إثرها كويت الهوية والانتماء والولاء الوطني.
في كنف تلك المعطيات ومحدداتها بدأت التجربة البرلمانية، والتي جسَّدها المجلس التأسيسي بأرقى صورها، واستمرت هذه المرحلة من المجلس التأسيسي حتى انتخاب وتكوين مجلس 1992، إذ إن منطلقات ومفاهيم تلك المرحلة والتشبُّع بها كانت هي المرجعية الوطنية الحاضرة في العمل البرلماني وغاياته. ولم تكن تخلو هذه المرحلة من هنَّات قاسية، لكن صلابة المكون الوطني ونقاوته كانتا مرجعية تعجِّل نبذ الخروج على الدستور والسلوك البرلماني القويم.
أما الثانية، فبدأت بعد انتخاب 1992، وبدأت تتشكَّل معالمها والترويج لها عبر حملة منظمة من قِبل مجاميع شبابية وكتل وجماعات ضغط، للقادمين الجدد - المجنسين - وكانت تسعى لتحوُّل سريع ومباغت، لخطف الديموقراطية الكويتية لمسار آخر، مستغلة المعطيات العاطفية لمرحلة التحرير، وبهجة عودة الكويت، وترسيخ الخطاب الوطني ووشائجه، وتغلغلت تغلغلاً ناعماً، لكنه معلوم ومحسوب، لتغيير مسار النهج الديموقراطي القويم بعيداً عن جذوره، فكانت الغاية محددة.
فبدأت حملة مفاجئة يتزعمها اتحاد الطلبة وبعض النقابات وشرائح اجتماعية من زعامات القادمين الجدد، «حملة توحيد الجنسية»، ويتم من خلالهم استخدام القوة التصويتية (تم تسجيل أول متجنسين بفئة الناخبين عام 1992 وتزايدت عام 1994).
وهكذا، تمت النقلة - في غفلة وطنية - وبخطى سريعة، وبعد بلوغ المتجنسين ما يزيد على 9400 ناخب في 1994 بدأت حملة الضغط، «توحيد الجنسية» برلمانياً، فكان تسلل القانون 44/ 1994، المخالف للدستور.
وكانت تسعى لاختزال الوطن بأغراضها، وذكرت بمقالي (ديموقراطية الفرصة الأخيرة... والثقافة الواردة»، أنها (اختزلت الوطن، وبالتبعية برنامجها ببعض الأمور، التي لا تهدم الديموقراطية فحسب، بل تهدم الوطن، وهي:
• الوطن سفينة عبور وغنيمة للاقتسام.
• تحريف التاريخ بوقائعه ومدوناته.
• الجنسية أداة تربح وكسب.
• الولاء حيث العطاء وعند توقفه لا ولاء.
• اللااستقرار أداة الابتزاز السياسي.
• الفوضى بديلاً للنظام.
• تغيير بيانات الهوية وسيلة التغلغل الاجتماعي والسياسي.
• الشهادة ورقة والوظيفة تسيب.
• التذمر الدائم وعدم القناعة بنعم الأمن والرزق والانتماء.
• الفزعة العدوانية والمتعدية للقانون.
وهذه ليست ديموقراطية عبدالله السالم ولا جيل المؤسسين بالمجلس التأسيسي، فضلاً عن كونها منقطعة الصلة بدستور 1962، وإن ادَّعت زيفاً خلاف ذلك).
إن عمق إشكالية الديموقراطية الكويتية، منذ خطف 1994، وهو تاريخ التخلي عن العقلانية الوطنية، لعقلية نيابية منحرفة، وقد بلغت ذروتها بوصف سمو الأمير لها بالإضرار بالبلد ومصالحه في نطقه السامي في 20/ 12/ 2023.
وهناك منذ خطاب سمو ولي العهد - الأمير الحالي- حفظه الله في 22/ 6/ 2022 محاولة جادة وحثيثة لتقويم مسار الديموقراطية والبرلمان، وهو ما نشهد خطواته وإجراءاته منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، إعادةً للأمور لسياقها الطبيعي.