عزت العلايلي... عملاق السينما المصرية (5 - 6)
مغني «تمر حنة» يدفع بليغ حمدي للهروب من العندليب!
المسرحية الثانية «ثورة قرية» وأعدها عن قصة للكاتب الصحافي محمد التابعي، وأخرجها حسين كمال، وتعد العمل المسرحي الوحيد الذي جمعه بنجم الكوميديا عادل إمام في مقتبل مشوارهما الفني، فيما التقيا على الشاشة في أفلام عِدة.
وكان العلايلي واحدًا من مؤسسي مسرح التلفزيون في الستينيات، حين ذهب مع بعض زملائه لمقابلة الدكتور عبدالقادر حاتم، وزير الإعلام وقتذاك، بمقترح إنشاء فرقة مسرحية لموظفي التلفزيون، وأعجب الوزير بالفكرة وطوّرها فصارت بداية لانطلاقة مسرحية في عام 1962، وتكوين ثلاث فرق هي «الحرية» و«النهضة» و«السلام». وفي العام التالي انضمت 7 فرق أخرى، منها «الشعب» و«النصر» و«التحرير» و«الكوميدية».
وبتكليف من وزير الإعلام، سافر عزت العلايلي إلى لندن، وحضر احتفالية بمناسبة مرور 400 عام على رحيل الكاتب الإنكليزي ويليام شكسبير، وطاف جميع المسارح هناك، وبعد عودته إلى القاهرة، أجرى دراسة تفصيلية نابعة من وعي بخصوصية الجمهور المصري، وبناءً عليها جرى إنشاء مسرح التلفزيون.
وأدى نجاح فرق مسرح التلفزيون إلى تحويل ميزانيتها إلى رئاسة الجمهورية بتعليمات مباشرة من الرئيس جمال عبدالناصر، وكانت تلك الفرق نافذة لاكتشاف الكثير من نجوم التمثيل والإخراح، وخرج منها عادل إمام وسعيد صالح وصلاح السعدني وحسين كمال وأبوبكر عزت، وغيرهم.
ومن خلال هذا المسرح، تألق عزت العلايلي في مسرحية «الأرض»، قصة الأديب عبدالرحمن الشرقاوي، ولعب دور «الشيخ يوسف بقّال القرية» الذي لعبه بعد ذلك فى السينما عبدالرحمن الخميسي، بينما العلايلي جسّد شخصية «عبدالهادي» في النسخة السينمائية التي أخرجها يوسف شاهين.«ثورة قرية» عرض مسرحي نادر مع نجم الكوميديا عادل إمام
وشارك في بطولة «الأرض» مجموعة كبيرة من الفنانين، منهم حمدي غيث وكريمة مختار وعبدالوارث عسر وحمدي احمد، وقام بالإخراج سعد أردش، وحققت المسرحية نجاحًا جماهيريًا كبيرًا.
خيال الظل
ضم الألبوم المسرحي للفنان عزت العلايلي، عددًا كبيرًا من المسرحيات، وأغلبها من العلامات البارزة في ذاكرة المسرح المصري، منها «الإنسان الطيب» للكاتب الألماني برتولد بريخت، وإعداد سعيد سليمان، وإخراج سعد أردش، وتخلل السياق الدرامي أداء العلايلي لبعض الأغنيات من تأليف الشاعر صلاح جاهين وألحان سيد مكاوي.
وشارك في بطولتها مع نجمة المسرح القومي، التي لُقبت لاحقًا بسيدة المسرح العربي، سميحة أيوب، بجانب حسين الشربيني وتهاني راشد وفاروق نجيب وحسن شفيق وفؤاد أحمد. وتدور المسرحية حول ثلاثة من الحكماء يصلون إلى مدينة خيالية، للبحث عن «الإنسان الطيب»، وتتصاعد الأحداث في إطار ملحمي، كسائر مسرحيات بريخت، ومحاولته كسر الإيهام بين الممثلين والجمهور، وتحقيق التفاعل بين الطرفين خلال العرض المسرحي.
وتجدد لقاء العلايلي بسميحة أيوب في مسرحية «خيال الظل»، تأليف الكاتب رشاد رشدي وإخراج كمال ياسين، وشارك في البطولة توفيق الدقن وسميرة محسن. وتدور الفكرة في إطار اجتماعي حول أسرة تتعرض للعديد من المآزق، ويتخللها استدعاء لفنون تراثية.
العمر لحظة
وتكرر لقاء العلايلي مع أيوب في مسرحية «العمر لحظة» (1974)، قصة الأديب يوسف السباعي وإعداد سعد الدين وهبة، وإخراج أحمد عبدالحليم، وشارك في العمل مجموعة من الفنانين، منهم صلاح السعدني ومحمود عزمي وميرفت سعيد وسلامة إلياس. وتدور المسرحية بعد هزيمة عام 1967، وتشارك الصحافية «نعمت» في العمل التطوعي في أحد المستشفيات، وتسافر إلى الجبهة لمساعدة الجنود في حل مشكلاتهم.
وتوافرت عناصر النجاح لهذا العمل من ناحية الإخراج والتمثيل والديكور والإضاءة، وكان العلايلي وزملاؤه يؤدون أدوارهم على مسرح خشبي مستوحى من البيئة الأصلية على خط قناة السويس، وشهدت كواليس العرض الكثير من الذكريات، وحالة من التناغم بين فريق العمل على خشبة المسرح، وتفاعل كبير من الجمهور.محمود ياسين ينقذ «البكوات» بعد استقالة بطلها من المسرح القومي
ومن المواقف الطريفة أن عزت العلايلي وزملاءه، كانوا يسهرون كل ليلة بعد انتهاء العرض، ويحددون خطوط أماكنهم على خشبة المسرح حتى لا يقعوا في أي خطأ صغير في اليوم التالي، ويعكس ذلك حالة الحماس الشديد لتقديم عمل مسرحي متميز.
لعبة كل يوم
قدّم عزت العلايلي العديد من الأعمال المسرحية من خلال المسرح الحديث، ومنها «الحصاد»، و«سهرة مع الحكيم» و«لعبة كل يوم»، وقد تنوّعت بين الكوميديا والتراجيديا والاستعراض الغنائي، وتعاون فيها مع كبار المؤلفين والمخرجين، منهم كرم مطاوع وعبدالرحيم الزرقاني وجلال الشرقاوي.
وتعد مسرحية «ملك الشحاتين» (1971) من الأعمال البارزة في مشواره المسرحي، خلال فترة السبعينيات، وشارك العلايلي في بطولتها مع صلاح منصور. وأخرجها جلال الشرقاوي، وحققت نجاحًا كبيرًا، واستمر عرضها 17 أسبوعًا.«الإنسان الطيب» يغني ويمثل مع سيدة المسرح العربي سميحة أيوب
وكان العلايلي يحلم بهذه التجربة، منذ أن سافر إلى لندن عام 1964، وشاهد مسرحية غنائية، البطل فيها يغني ويرقص، وتمنى أن يخوض تجربة مماثلة في مصر، وتحققت أمنيته بعد سنوات في مسرحية «ملك الشحاتين».
وتدور المسرحية في إطار كوميدي غنائي، حول شخصية «عطوة أبو مطوة» وهو شاب فقير يعمل في مهن شاقة، وتقفز في رأسه فكرة شيطانية، ويتحول إلى شحاذ، ويجمع حوله مجموعة من المتسولين، ويطلق على نفسه «ملك الشحاتين»!
مرت «ملك الشحاتين» بسلسلة من الاقتباسات، ومؤلفها الأصلي الشاعر الإنكليزي جون جاي، وكانت أوبرا غنائية بعنوان «أوبرا الشحاذ»، وعرضت على مسارح لندن في القرن الثامن عشر وتحديدا في عام 1728، وحققت نجاحًا كبيرًا، ثم اقتبسها الكاتب الألماني برتولد برخت، وأطلق عليها «البنسات الثلاثة»، وبدوره اقتبسها الكاتب المصري نجيب سرور، وقدمها المسرح المصري أكثر من مرة.
المسرح الغنائي
وخاض العلايلي تجربة المسرح الغنائي مع المطربة وردة الجزائرية في أوبريت «تمر حنة» (1974) تأليف إسماعيل العادلي وإخراج جلال الشرقاوي، ووضع الألحان الموسيقار بليغ حمدي فيما كتب كلمات الأغاني الشاعر عبدالرحيم منصور، وشارك في البطولة مشيرة ووداد حمدي وفاروق نجيب وزين العشماوي.
وكان العلايلي تربطه صداقة قوية بالموسيقار بليغ حمدي، والأخير كان يستشيره في الكثير من الألحان التي غناها كبار المطربين. ودار في كواليس «تمر حنة» العديد من المواقف الطريفة، منها موقف حدث مع المطرب عبدالحليم حافظ، وتزامن مع تحضير أغنية «أي دمعة حزن» وإصرار العندليب على أن يلحنها بليغ.
ولكن انشغال بليغ الدائم في المسرحية الغنائية، دفعه للتهرب من العندليب، لدرجة أنه كان يقول للعاملين في المسرحية ألا يخبروه أنه يتواجد في المسرح، لكنه لحن الأغنية أخيرًا بعد أن أنهى تلحين أغنيات «تمر حنة» التي شارك العلايلي في غنائها مع وردة، وحققت نجاحًا كبيرًا.الممثل الشاب يشارك مع زملائه في تأسيس مسرح التلفزيون
أهلا يا بكوات
ارتبط العلايلي بصداقة وطيدة مع العديد من زملائه، منهم الفنان محمود ياسين، وكان الأخير مديرًا للمسرح القومي لعدة سنوات، ولديه طموحات لإعادة العصر الذهبي لمسرح الستينيات، وأن يحقق المعادلة الصعبة بين القيمة الفنية والنجاح الجماهيري.
وفي ذلك الوقت وقع اختيار المخرج الشاب – آنذاك - عصام السيد، على نص «أهلا يا بكوات» للكاتب لينين الرملي، وكان مقررًا أن يلعب محمود ياسين دور البطولة، وصادف أنه تولى رئاسة المسرح القومي، فاستشعر الحرج من تقديم الدور ورشح للمخرج الفنان عزت العلايلي بحب وحماس شديدين، واقترح عليه أن يشارك في البطولة النجم حسين فهمي، وتحمس الأخير لخوض التجربة.
وتخوف السيد، مما سمعه عن تدخل العلايلي في عمل المخرج، كما استشعر حدوث ذلك مع الفنان حسين فهمي، ولكن بعد عدة بروفات جمعته بالنجمين الكبيرين، لم يجد منهما أي تجاوز وصارت بينهم جميعًا مودة كبيرة، وكان تعاونهم مثاليًا وسافروا لعرض «البكوات» في تونس وحققت نجاحًا باهرًا.
ورأى المخرج أن عزت العلايلي على خشبة المسرح ممثل استثنائي وغير عادي، كما شاهده في عروض سابقة، وكان دوره تجسيدًا لشخصية جادة مؤمنة بأفكارها، وتتطلب أن يكون الممثل صادقًا في تجسيدها، وعدم تحوُّل الأداء إلى الخطابة والمباشرة، وهو ما لم يقع فيه العلايلي، وكان يصل في الحوار الختامي إلى ذروة التوهج في الأداء، وفي كل ليلة يدوي تصفيق الجمهور في القاعة.
ومن المواقف الطريفة أثناء عرض «أهلا يا بكوات» أن المخرج فوجئ ذات ليلة أن العلايلي يعرج على خشبة المسرح، وبعد أداء المشهد، ذهب ليطمئن عليه في غرفته، فأخبره أنه ابتكر المشية العرجاء، لأنه في المشهد السابق تعرض للتعذيب، وطبيعي أن يترك بعض آثاره. ودُهش لأنه أقنعه كمخرج للمسرحية بأنه يعرج بالفعل.
وامتد عرض «أهلا يا بكوات» (1989) لأكثر من موسم، وأراد الفنان محمود ياسين بصفته مديرًا للمسرح القومي أن يعرضها خلال فصل الصيف في مدينة الإسكندرية الساحلية، ويطوف بها إلى مدنٍ أخرى، وفوجئ باعتذار العلايلي، وتطور الأمر إلى تقديم استقالته من المسرح القومي، وفشلت المحاولات لإعادته مرة أخرى، واضطر ياسين لأداء دور العلايلي، حتى ينقذ «البكوات» من التوقف.«ملك الشحاتين» يظهر في عرض مقتبس من القرن الثامن عشر
وداعا يا بكوات
وعاد العلايلي إلى المسرحية مرة أخرى في عام 2006. تحت عنوان «وداعًا يا بكوات»، وتقاسم بطولتها مع حسين فهمي ولقاء سويدان وخليل مرسي ووفاء الشرقاوي وعصام الشويخ ومحمود بشير وأيمن علي، وتعد من المرات القليلة التي يعيد فيها المسرح القومي عرض عمل مسرحي بعد سنوات من نجاح عرضه الأول.وتدور المسرحية في قالب من الكوميديا الفانتازية، حول أستاذ التاريخ نادر (عزت العلايلي) الذي يساوره القلق على مستقبل البلاد بعد أن قرأ كتابًا يشير إلى تزايد الاحتكارات وتبدل التوازن الاقتصادي، فيما يتخذ صديقه العالِم والخبير العالمي برهان (حسين فهمي) موقفًا أنانيًا لا يهتم فيه إلا بمصالحه وعلاقاته العامة، وفجأة يجدا نفسيهما في عصر المماليك.
بطل «دماء على ملابس السهرة» يرفع لافتة «كامل العدد»
التقى عزت العلايلي بالفنانة سميحة أيوب في أعمال مسرحية عِدة، وحين كانت تتولى منصب مديرة المسرح القومي، رشحته لبطولة مسرحية «دماء على ملابس السهرة»، المأخوذة عن مسرحية «القضية المزدوجة للدكتور بالمي» للكاتب الإسباني أنطونيو باييخو، وإخراج نبيل منيب.
وشارك في بطولة المسرحية الفنانة محسنة توفيق ومدحت مرسي وتوفيق الدفن، وحققت نجاحًا كبيرًا، وأعادت إلى المسرح القومي لافتة «كامل العدد» وعرضت في عام 1979، واستمر عرضها لمواسم تالية.
وتعد المسرحية من سلسلة أعمال العلايلي المقتبسة عن نص أجنبي، وقام ببطولتها خلال مشواره المسرحي، منها «ملك الشحاتين» عن مسرحية «البنسات الثلاثة» و»الإنسان الطيب» للكاتب الألماني برتولد بريخت.
فتوة «التوت والنبوت» يفقد الوعي بسبب ضربة في الرأس
تعرض الفنان عزت العلايلي لمواقف صعبة أثناء تصويره بعض المشاهد الخطيرة في أفلامه، وكان يرفض الاستعانة بـ»دوبلير»، ومنها فيلم «التوت والنبوت» (1986)، عن رواية الحرافيش للأديب نجيب محفوظ، وإخراج نيازي مصطفى.وتدور الأحداث في منطقة القاهرة القديمة، وفي عصر الفتوات والحرافيش، وجسّد العلايلي شخصية «عاشور الناجي» الذي ينتصر على الفتوة الظالم حسونة السبع (حمدي غيث) ويصبح الفتوة الجديد للحارة.
واقتضى ظهوره في مشهد تدور فيه معركة بالعصي، وتلقى ضربة على رأسه، أفقدته التوازن، وتوقف التصوير لإسعافه، وطلب منه المخرج أن يرجئ تصوير المشهد لليوم التالي، لكنه أصر على أداء المشهد مرة أخرى.«الأرض» تشهد تألقه المسرحي قبل بطولة النسخة السينمائية
وبعد سنوات، شارك العلايلي في بطولة فيلم «الطريق إلى إيلات» (1994)، سيناريو فايز غالي وإخراج إنعام محمد علي، وتحمس العلايلي وزملاؤه، ليخرج الفيلم بشكل جيد، وجرى تصويره خلال سنة واحدة، والأمر كان شاقًا للغاية، وصُوّرت المشاهد بين البر والبحر.
وذات يوم، طلبت المخرجة من طاقم العمل إعادة تصوير أحد المشاهد الخاصة بالغطس، بسبب ظهور القمر في المشهد، حيث كان التوقيت الهجري للعملية التاريخية لا يسمح بظهوره، وشعر العلايلي بالإجهاد الشديد، لكنه أكمل مشهد الغطس بنجاح، ويعد من أصعب المشاهد في مشواره السينمائي.