نحن في بازار انتخابي هذه الأيام نرى ونسمع فيه كل يوم العجب، ولأننا نعلم ماذا سيفعل المرشحون الجدد لو نجحوا مقارنة بالذين كانوا في السابق جدداً ونجحوا ولم يفوا بوعد أو يلتزموا بعهد، لأن الكتاب باين من عنوانه منذ البداية، فلم نرَ منهم طرحاً يعكس وعياً أو شخصية سياسية ذات أبعاد يمكن أن نتوقع لها مستقبلاً واعداً لو منحوا الفرصة، لذلك فإني أنصح كل ناخب يثق برأيي ألا ينتخب مرشحاً جديداً لم يقدم نفسه بشكل مميز مع وجود نائب سابق جيد، فالجيد الذي باليد خير من عشرة على الشجرة لا نعلم إن كانوا مثله أو (أردى).
وقبل (كم ليلة) كنا في ديوانية فزارنا أربعة مرشحين بشكل متتال وكأن المتأخر منهم ينتظر المتقدم يخرج ليدخل بعده مباشرة، ثلاثة منهم كان طرحهم يتمحور حول ذكر القصور في التعليم والصحة والإسكان والشوارع (المكسرة)، وهو أمر يدعو إلى الحيرة والتردد لمن يفكر بالتغيير من جمهور الناخبين، إذ ما الذي يميز الثلاثة عن بعض، فثلاثتهم رددوا الفكرة الساذجة نفسها التي تجعل المستمع لهم يتساءل (ثم ماذا بعد؟)، فلو سألنا عامل نظافة في العمرية عن أوجه القصور التي لاحظها في الخدمات لقال: «شارع خراب تعليم مو زين مستشفى مشكل).
وما دام تشخيص المرشح مشابها لتشخيص البنغالي (مع احترامي الشديد لمهنته الشريفة) فإن ذلك يجعل الناخب يتردد كثيراً في مسألة التغيير، خصوصاً أن بعض المرشحين يرددون ذلك دون حتى تفكير بما قالوا، فليس المنتقد للتعليم أستاذاً جامعياً أو حتى مدرساً ولا المنتقد للخدمات الصحية قيادياً صحياً أو حتى طبيباً ولا المنتقد للقصور في الإسكان خبيراً في المدن ولا حتى مهندساً، ولو كان أحدهم كذلك لقلنا «أهل مكة أعلم بشعابها»، ولذا فإني أتوقع أن نتائج هذه الانتخابات ستكون مشابهة لنتائج الانتخابات الماضية، وسيكون التغيير فيها محدوداً، ويقتصر على تبادل المراكز بين بعض أواخر الناجحين وأوائل (الساقطين) في الانتخابات الماضية، وإن حدث اختراق مختلف فسيبقى مجرد اختراق يثبت وجهة نظري ولا ينقضها.
ولأننا مللنا من هذه الأسطوانة المشروخة التي تعكس سطحية الطرح المباشر (شوارع صحة تعليم إسكان)، فإننا نتوق لما هو أكبر من ذلك، ولما يدخل ضمن وظيفة النائب الحقيقية (رقابة وتشريع) مثل تسليط الضوء على الخلل في المنظومتين السياسية والإدارية الأزلي الذي تعانيه الحكومات المتعاقبة، والذي حوّل المهن القيادية في الوزارات من نظريات ورؤى وتخطيط تقدمها القيادات إلى وظائف (يداوم) أصحابها صباحاً ويغادرون ظهراً، وهو ما أدى إلى هذا القصور الشديد بالخدمات وما فتح الباب لهذا المزاد الانتخابي، ولو كان المرشح يملك رؤية ولديه برنامج حقيقي يعالج هذا الخلل وقادر على أن يشرح الخلل والمعالجة في كل زياراته للدواوين ولقاءاته المرئية والمقروءة لفرض التغيير نفسه على الناخب وفرض المرشحون نجاحهم على الصناديق.
ولذلك فإن التركيز الإعلامي والشعبي هذه الأيام يسلّط على المرشحين الكبار من نواب سابقين وحاليين وناشطين كبار كان لهم دور تثقيفي وحركي خلال السنوات العشرين الماضية، أما المرشحون الداخلون إلى هذا البازار بهدوء والذين لن يحركوا ساكناً ولن يتركوا أثراً سوى الكآبة التي ينشرونها والبكائيات التي يروونها في الدواوين على طريقة الحكواتية في المقاهي الرمضانية، خصوصا أن الزيارات ستكون رمضانية والصائمين بحاجة الى حكايات يستنفدون بها مساءاتهم البهيجة، فإن هؤلاء سيغادرون من حيث جاؤوا لم يعرفهم أحد أو يتذكرهم أحد، «مرشح جاء لم يسمع به أحدٌ، وآخر راح لم يسمع به أحد»، مع اعتذاري الشديد لدعبل الخزاعي الذي تصرفت في بيته.