بوتين يصبح «القيصر» الأطول حكماً منذ 200 عام
تداعيات الرئاسية الأميركية على أوكرانيا وتوازن الاقتصاد أبرز تحديات الولاية الخامسة
انتهت أمس الانتخابات الرئاسية الروسية التي بدأت يوم الجمعة الماضي ولم تشهد أي تنافس، وستمنح الرئيس فلاديمير بوتين «71 عاماً» الذي يتولى السلطة منذ 1999، ولاية رئاسية خامسة تمتد للعام 2030، ليصبح في حال إكماله لها الحاكم الأطول بقاء في حكم روسيا منذ أكثر من 200 عام.
وشهد عهد بوتين في العام 2020، تعديلاً دستورياً يتيح له البقاء في سدّة الحكم حتى 2036. ووصفت المعارضة ودبلوماسيون غربيون مشاركة ثلاثة مرشحين آخرين الى جانب بوتين في الاقتراع بأنها «صورية».
وبعد احتجاجات رمزية على صناديق الاقتراع في الأيام القليلة الماضية، مثل إلقاء الحبر داخل الصناديق للتعبير عن عدم شرعية الاقتراع، شارك معارضون أمس، في تحرك «الظهيرة ضد بوتين» للتعبير عن المعارضة دون التعرض لخطر الاعتقال، حيث اصطف المحتجون للتصويت بشكل قانوني، بعد تحذير الكرملين من المشاركة في تجمعات بلا تصاريح.
ودعا إلى التحرك أنصار أبرز معارضي بوتين، الراحل أليكسي نافالني الذي توفي بظروف مشبوهة في مستعمرة عقابية في القطب الشمالي في فبراير الماضي.
وسعى الكرملين إلى تسجيل نسبة إقبال عالية، وقال مسؤولون، إن نسبة المشاركة في أول يومين وصلت بالفعل إلى 60 في المئة على مستوى البلاد.
وجاءت الانتخابات بعد ما يزيد قليلاً على عامين من بداية أعنف صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، والذي أشعله بوتين عندما أمر بغزو أوكرانيا فيما وصفها بأنها «عملية عسكرية خاصة» دفاعية.
وخيمت الحرب على عملية التصويت في الانتخابات، إذ شنت أوكرانيا هجمات متكررة خلال الأيام القليلة الماضية على مصافي نفط في روسيا بطائرات مسيرة وقصفت مناطق روسية وسعت إلى اختراق الحدود الروسية بالاستعانة بقوات موالية لكييف.
وفي تعليق على الانتخابات الروسية، قالت مؤلفة كتاب «عالم بوتين: روسيا ضد الغرب ومع البقية»، أنجيلا ستينت، مستشارة معهد الولايات المتحدة للسلام، «لعل الانتخابات الأكثر أهمية هي الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة المقررة في نوفمبر المقبل... بوتين ينتظر على الأرجح نتيجة الانتخابات على الجانب الآخر من أوروبا، التي ستحدد الدعم الغربي لأوكرانيا. إنه ينتظر ما سيحدث إذا تراجع الدعم الغربي لأوكرانيا، وهناك بالفعل خلافات واضحة في التحالف بشأن ذلك. أعتقد أنه سيواصل الحرب، وفي هذه المرحلة، يشعر أن الوقت لمصلحته».
وبحسب «وول ستريت جورنال» الأهم بالنسبة لبوتين حالياً ليس الفوز بالانتخابات في حد ذاته، بل حجم هذا الانتصار، اذ أكد مركز أبحاث البرلمان الأوروبي في ورقة بحثية هذا الشهر أن فوز بوتين «من شأنه أن يضفي الشرعية على إرثه وحربه، ويسمح له بتنفيذ رؤيته دون رادع على مدى السنوات الست المقبلة».
ووفقاً لبيانات حكومية، فقد بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الأخيرة عام 2018 نحو 67.5%، مع 77% من الأصوات لبوتين، فيما أوضح الكرملين أنه يريد هذه المرة أرقاماً أعلى لمنح الزعيم الروسي الحرية في تحقيق أهدافه، وبالفعل أعلنت وكالة (تاس) أن نسبة التصويت بلغت 67.54 في المئة من أصوات الناخبين متجاوزة مستويات عام 2018.
وتوقع مراقبون أن يطلق بوتين قريباً موجة أخرى من الاعتقالات في الداخل، وقوانين جديدة لخنق المعارضة وزيادة الضرائب على الأغنياء، إضافة إلى موجة جديدة من التعبئة لتعزيز تفوق روسيا في ساحة المعركة بأوكرانيا.
وذكر الباحث في مركز الدراسات الأوروبية، أندريه سولداتوف أنه «نظراً لأن الاستقرار السياسي على المحك، فستشهد روسيا زيادة في نشاط أجهزة المخابرات والأمن، بما في ذلك التخلص من المعارضين السياسيين وتنفيذ هجمات في الخارج».
لكن بوتين قد يواجه عملية توازن أكثر دقة في الحفاظ على الاقتصاد الروسي، الذي حافظ على أداء جيد نسبياً على الرغم من العقوبات الغربية، حيث ساعدت التجارة مع الصين وأسعار النفط في إبعاد البلاد عن أي مصاعب حقيقية.
وسيركز بوتين، وفق محللين، على التأكد من أن الروس يواصلون حياتهم كالمعتاد، وسيعلن عن خطط لإنفاق المليارات للتصدي للفقر وإعادة بناء جزء كبير من البنية التحتية مع استمرار حالة حرب.
ولدفع تكاليف هذه المشاريع، اقترح بوتين نظاماً ضريبياً أكثر تصاعدية، والذي أشار بعض المحللين إلى أنه يهدف إلى استرضاء الفقراء الذين يقدمون المزيد من التضحيات، سواء من الناحية المالية أو من حيث أفراد الأسرة الذين يتم تجنيدهم للقتال في الحرب.
وتحدث أيضاً عن إنشاء نخبة جديدة تتألف من قدامى المحاربين وأولئك الذين خدموا في حرب أوكرانيا، لكن محللين رجحوا أن يأمر بوتين في نهاية المطاف بتعبئة ثانية، وهي ضرورية للحصول على تقدم في ساحة المعركة في وقت تواجه فيه أوكرانيا بعض المماطلة من الدول الغربية التي تدعم حملتها العسكرية.
وأدى تجنيد بوتين الأول لنحو 300 ألف رجل في سبتمبر 2022 إلى فرار مئات الآلاف عبر الحدود. وسيحتاج الزعيم الروسي إلى إيجاد طريقة لمنع تكرار هذا النزوح الجماعي، مثل إغلاق الحدود.