نعم، أول الغيث قطرات لا قطرة واحدة، فهناك علامات وليست علامة واحدة تدعونا للتفاؤل بأن عجلة الإصلاح ومحاربة الفساد قد وُضعت على المسار الصحيح، وبدأت بالفعل تدور، وأولها محاربة التزوير في كل شيء، ثم إصلاح التعليم ومخرجاته، فالوعود التي قطعها سمو رئيس مجلس الوزراء على نفسه في بداية توليه قيادة السُّلطة التنفيذية بإصلاح ما فسد قد بدأ تفعيلها.
إحدى هذه الخطوات المهمة جداً، والمبشرة بالخير، هي ضبط جودة التعليم ومخرجاته السابقة، بفحص وفرز وضبط جميع الشهادات المزورة وأصحابها، والإعلان عنها وعن منابعها منذ بداية سنة 2000 إلى يومنا هذا. الفحص سيشمل جميع الشهادات الصادرة من خارج الكويت وداخلها، لجميع موظفي الدولة، مواطنين ومقيمين، من الحاصلين على كل شهادات ما فوق الثانوية العامة.
الواضح أن التعليمات صارمة وجدية، ولن يكون فيها تهاون مع أي مزور أو صاحب شهادات وهمية مهما كان منصبه أو موقعه، تتبعها الإحالة إلى النيابة، حتى لا يفلت أحد من تلك الجريمة التي ارتكبت بحق الوطن.
فحص جميع الشهادات خطوة وطنية ومباركة ومهمة، لكننا نود أن ننبِّه ونذكِّر بأن هناك شهادات صدرت عن دكاكين جامعية بلا فصول دراسية، وهناك جامعات معروفة سترد بالإيجاب لمصلحة المزورين وحملة الشهادات الوهمية، فليس من مصلحتها التشهير بنفسها، أو خسارة المبالغ التي جمعتها مقابل تلك الشهادات، وسيؤكد بعضها وجود المنتسبين إليها، لكن ملفات الغياب والحضور في الكويت ستثبت مدى صحتها، إن لم يتم التلاعب بها مسبقاً.
كشف الشهادات المزورة والوهمية سيؤدي إلى استرداد مئات الملايين التي نهبها المزورون على مدى سنوات من خزينة الدولة، فكم وكم من أشخاص مزورين تولوا مناصب قيادية، وحازوا امتيازات، وتسببوا في تأخر البلد وتقهقر الأداء الحكومي، فنتمنى أن تتبع تلك الخطوة خطوات أخرى، للتأكد من شهادات أقدم من ذلك التاريخ، فهناك الكثير من الشبهات تدور حول بعض حملتها، بعد أن حصلوا عليها وهم على رأس أعمالهم، بعضهم شغلوا مناصب حساسة، تنفيذية وتشريعية وأمنية، وحتى دينية.
لا شك في أن الغش في التعليم هو الخطر الأكبر على أي بلد، لأن أثر مخرجاته المدمرة يمتد إلى كل مرافق البلد، فالاكتفاء بفحص ما فوق الثانوية العامة لن يكون كافياً إطلاقاً، لأن شبكات الغش التي تم القبض عليها وحكم على بعضها كانت تركِّز على خريجي ثانوية فاشلين، وهم بعشرات الآلاف، تخرجوا بتفوق وهمي، هذه المخرجات أُغرقت بها الجامعات والمعاهد.
نحن على يقين بأن المتضررين من مسيرة الإصلاح لن يسكتوا، سيقاومون وسيحركون كل أدواتهم، حفاظاً على مكتسباتهم ومصالحهم، ولن نستغرب أن يأتي «نوائب» جدّد ليصطفّوا معهم، فقد فعلها الذين قبلهم، سيحتجون وسيعارضون وسيحاربون ويحاولون وقف كل عجلات الإصلاح.