وصفت وسائل الإعلام الفرنسية التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالشجاعة والجريئة والتي تحدث فيها عن فتح باب النقاش بخصوص «المساعدة على الموت» أو «القتل الرحيم» أو «الانتحار بمساعدة طبية».
وجاءت الإشادة بهذه التصريحات تبعا لشبه إجماع الرأي العام الفرنسي على البدء بهذا النقاش، وبخاصة بعد أن صوت البرلمان الفرنسي بغرفتيه (مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية) على إدخال مادة جديدة في الدستور الفرنسي الذي تم اعتماده عام 1958 وأسس للجمهورية الفرنسية الخامسة، وكان أول رئيس لها الجنرال شارل ديغول.
اجتمع هذا البرلمان في قصر فيرساي بتاريخ 5 مارس، وبحسب ما تنص عليه الأصول الدستورية المتعلقة بتعديل الدستور، وصوت بأغلبية ثلاثة أخماس النواب المجتمعين بالموافقة على نص يسمح بإدراج حق الإجهاض في الدستور الفرنسي، من خلال اعتماد المادة 34 التي تنص على أن «القانون يحدد الشروط التي تتمتع فيها المرأة بحرية اللجوء إلى الإجهاض»، ولتصبح فرنسا بذلك أول دولة في العالم تقر هذا الحق في دستورها، وتم إدراج هذه المادة في الدستور الفرنسي بحفل رسمي شارك فيه الرئيس ماكرون بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة في 8 مارس.
وطُرح السؤال: إذا كانت فرنسا قد أقرت حق الإجهاض في دستورها، فماذا يمنع القبول بمساعدة المرضى الميؤوس من شفائهم على وضع حد لحياتهم؟ وهل من الطبيعي أن يسافر هؤلاء إلى بلجيكا وسويسرا ليتم مساعدتهم على الموت؟ مع العلم أيضا بأن عددا منهم يطلب عن طريق الإنترنت أدوية معينة تساعده في وضع حد لحياته.
لقد بدأ النقاش في فرنسا بخصوص هذا الموضوع الحساس والشائك دينيا وأخلاقيا وإنسانيا، ونعتقد أنه سيكون مطولا ويأخذ سنوات قبل الوصول إلى صيغة مقبولة تسمح باعتماد نص قانوني بخصوصه تتفق عليه كل الأطراف في فرنسا، علما بوجود اتجاه قوي في الرأي العام نحو تطوير ما يُعرف باسم «الرعاية التلطيفية» التي يخضع لها حاليا عدد من المرضى في المشافي الفرنسية والميؤوس من شفائهم، بقصد تخفيف معاناتهم ومساعدتهم على تقبل أوضاعهم بانتظار انتهاء حياتهم بشكل طبيعي.
لا يسمح المقام بالتطرق إلى هذا الموضوع بكل جوانبه، وسبق لي أن نشرت دراسة عام 2016، بعنوان: «هل يجوز إيقاف العلاج عن المريض الميؤوس من شفائه؟ بين اجتهاد بعض فقهاء المسلمين واجتهادات القضاء الإداري الفرنسي والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان»، وذلك بعد أن أصدرت هذه المحكمة الأوروبية في عام 2015 حكمها النهائي بصحة القرار الصادر عن مجلس الدولة الفرنسي الذي سمح بوقف الأجهزة الطبية التي ساعدت في بقاء مواطن فرنسي على قيد الحياة، وتسبب الحكم وقتها بضجة إعلامية وقانونية لكنه يُعّد سابقة قانونية على المستوى الإقليمي الأوروبي ومن الأحكام الجديدة والمتطورة في اجتهادات المحكمة الأوروبية.
وسجلت في دراستي مواقف متنوعة ومتميزة، واجتهادات تستحق الاهتمام لهيئات إسلامية تتعلق بهذا الموضوع، وختمت الدراسة بضرورة التعرف على هذه الاجتهادات وتطويرها، وعقد مؤتمرات تجمع عدداً من المتخصصين في العديد من المجالات لبحث مختلف جوانب الموضوع ونتائجه والخروج بتوصيات تساعد المشرعين في بلداننا العربية لاعتماد نصوص قانونية وبشكل يتوافق مع أسس ديننا الحنيف وقواعده، والأخذ بعين الاعتبار آخر التطورات الطبية والعلمية بما فيه مصلحة الإنسان والمجتمع.
* أكاديمي وكاتب سوري مقيم بفرنسا