هل تستمر صحوة أسعار النفط مع توقعات العجز في السوق؟
شهدت أسعار النفط حالة من التعافي الملحوظ خلال الأيام الأخيرة، بدعم التوقعات الإيجابية بشأن الطلب والمعروض من الخام.
وأبدى محللون توقعاتهم باستمرار صعود أسعار النفط خلال الفترة المقبلة، لكن وسط مخاطر محتملة تهدد بإنهاء حالة التعافي الحالية.
تحركات صعودية للأسعار
وظلت أسعار خام برنت القياسي تتداول طوال معظم الشهر الماضي بين نطاق 80 و84 دولارًا للبرميل، مع غياب العوامل الداعمة للسوق.
ولكن أسعار النفط نجحت في الخروج من هذا النطاق المحدود خلال الأسبوع الماضي، بعد توقعات إيجابية للطلب العالمي.
وارتفع سعر خام برنت أعلى مستوى 85 دولارًا للبرميل خلال تعاملات الأسبوع الماضي، للمرة الأولى منذ شهر نوفمبر الماضي.
وفي إجمالي الأسبوع الماضي، سجل خام برنت تسليم شهر مايو مكاسب بنحو 4% ليُنهي تعاملات يوم الجمعة عند 85.34 دولاراً للبرميل.
كما ارتفع سعر خام غرب تكساس الأميركي تسليم شهر أبريل بنسبة 4% في الأسبوع الماضي ليسجل 81.04 دولاراً للبرميل.
ومنذ بداية العام الحالي حتى تسوية تعاملات الأسبوع الماضي، ارتفع سعر خام برنت بأكثر من 10%.
تحسن توازن السوق
وجاءت مكاسب النفط مؤخراً بعد توقعات متفائلة بشأن آفاق الطلب العالمي، وتحول السوق إلى العجز.
ورفعت وكالة الطاقة الدولية الأسبوع الماضي توقعاتها للطلب العالمي على النفط للمرة الرابعة منذ شهر نوفمبر 2023.
وترى الوكالة أن الطلب على النفط قد ينمو بنحو 1.3 مليون برميل يومياً في العام الحالي، مما يمثل زيادة بمقدار 110 آلاف برميل يومياً مقارنة بالتقديرات السابقة.
وعلى جانب المعروض، تشير التوقعات إلى تراجع الإمدادات العالمية من النفط مقارنة بالتقديرات السابقة.
وترى وكالة الطاقة أن الإنتاج العالمي من النفط قد يتراجع بنحو 870 ألف برميل يومياً في الربع الأول من هذا العام مقارنة بالربع الأخير من 2023، بسبب الطقس السيئ الذي أثر على بعض المنصات، بالإضافة إلى قيود الإمدادات من جانب تحالف «أوبك بلس».
كما خفضت الوكالة توقعاتها لنمو المعروض العالمي من النفط إلى نحو 800 ألف برميل يومياً ليصل إلى 102.9 مليون برميل يومياً في إجمالي 2024.
وذكرت الوكالة أنها تتوقع عجزًا طفيفاً في سوق النفط خلال العام الحالي بدلاً من تقديراتها السابقة بوجود فائض، مع استمرار الخفض الطوعي للإنتاج من جانب مجموعة «أوبك بلس».
وأعلن تحالف «أوبك بلس» تمديد الخفض الطوعي لإنتاج النفط البالغ 2.2 مليون برميل يومياً حتى نهاية الربع الثاني من العام الجاري.
واعتبر جيوفاني ستونوفو المحلل في بنك «يو بي إس» أن تقرير وكالة الطاقة كان متفائلاً جداً، مع مراجعة صعودية لنمو الطلب وتقديرات أقل لنمو المعروض.
وكما تلقى الخام بعض الدعم من بيانات أظهرت ارتفاع الطلب من المصافي الأميركية.
وكشفت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن مخزونات النفط الخام تراجعت 1.5 مليون برميل في الأسبوع الماضي، مما جاء بعكس التوقعات بفعل تسريع المصافي لعمليات التكرير.
وقال «فين فلين» المحلل لدى «برايس فيوتشرز غروب» إن الإمدادات تشهد حالة من النقص بالنسبة لوقود السيارات في الولايات المتحدة، ما يثير خطر ارتفاع الأسعار بشكل أكبر.
وساهمت الضربات الأوكرانية على مصافي النفط الروسية التي تسببت في حريق في أكبر مصفاة تابعة لشركة «روسنفت» في دعم أسعار النفط الخام.
وذكرت وزارة الطاقة الروسية أن صادرات الوقود المنقولة بحرًا انخفضت 1.5% في فبراير على أساس شهري، بسبب توقف صادرات مصافي التكرير بسبب الهجمات الأوكرانية.
وقال «دينيس كيسلر» النائب الأول لرئيس وحدة التداول في «بي أو كيه فاينانشيال» إن الطلب على النفط لا يزال مرتفعاً، فيما تتراجع الإمدادات، لاسيما على جانب الوقود.
وتوقع «كيسلر» أن الأضرار التي لحقت بالمصافي الروسية قد تؤدي لخفض إنتاج البنزين من البلاد بأكثر من 10%.
مخاطر ومخاوف
ولكن رغم رفع وكالة الطاقة الدولية توقعاتها للطلب العالمي على النفط، فإنه لا يزال أقل كثيراً من النمو المسجل في العام الماضي والبالغ 2.3 مليون برميل يومياً.
وترى الوكالة أن نمو الطلب على النفط يعود إلى الاتجاه التاريخي، مع تحسن الفعالية وتراجع الاستهلاك مع زيادة استخدام السيارات الكهربائية.
وحذرت وكالة الطاقة من أن التباطؤ الاقتصادي العالمي قد يشكل رياحًا معاكسة إضافية للطلب على النفط.
وتوقعت الوكالة تباطؤ نمو الطلب على الخام من الصين إلى 620 ألف برميل يومياً خلال 2024 من 1.7 مليون برميل يومياً في العام الماضي.
وعلى جانب العرض، يتجه إنتاج النفط من خارج «أوبك» للارتفاع بنحو 1.6 مليون برميل يومياً هذا العام مقابل 2.4 مليون برميل يومياً في العام الماضي، بحسب توقعات وكالة الطاقة.
ويتجه إنتاج النفط في الولايات المتحدة وغيانا والبرازيل وكندا لتسجيل مستويات قياسية هذا العام، لتضيف هذه الدول مجتمعة حوالي 1.3 مليون برميل يومياً من الإنتاج الجديد.
وكشفت بيانات شركة «بيكر هيوز» أن عدد منصات التنقيب عن النفط في الولايات المتحدة ارتفع لأعلى مستوى في ستة أشهر، في إشارة إلى الإنتاج المستقبلي للخام.
وصعد عدد المنصات الأميركية للتنقيب عن النفط إلى 510 منصات في الأسبوع المنتهي في الخامس عشر من مارس، وهو أعلى مستوى منذ سبتمبر الماضي.
ولا تقتصر المخاطر على آفاق الطلب والمعروض من الخام فحسب، لكنها تتسع لتشمل التوقعات الخاصة بالسياسة النقدية.
وقال «فلين» المحلل في «برايس فيوتشرز» إن هناك بعض المخاوف من أن الاحتياطي الفدرالي الأميركي لن يتمكن من خفض معدلات الفائدة، مع استمرار التضخم أعلى مستهدف البنك البالغ 2%.
ويُنظر إلى تخفيضات معدلات الفائدة باعتبارها أحد العوامل الداعمة للنشاط الاقتصادي، وبالتالي زيادة الطلب على النفط الخام.
ويستمر الاختلاف بين منظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية حول آفاق الطلب العالمي على النفط، ليشهد أكبر وتيرة انقسام منذ عام 2008 على الأقل.
ويبلغ الفارق بين توقعات أوبك ووكالة الطاقة الدولية بشأن الطلب على النفط في العام الجاري نحو مليون برميل يومياً، ما يعادل حوالي 1% من إجمالي الطلب العالمي على الخام. وتمثل أوبك تحالفاً للدول المنتجة للنفط، في حين تعتبر وكالة الطاقة ممثلاً للدول الصناعية المستهلكة للخام.
وأبقت أوبك توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط عند 2.25 مليون برميل يومياً في العام الحالي، كما ثبتت تقديراتها للعام المقبل عند 1.85 مليون برميل يومياً.
وكما رفعت منظمة الدول المصدرة للنفط توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي إلى 2.8% في 2024 مقارنة بتقديرات بلغت 2.7% سابقاً.
وتسود حالة من التفاؤل في أوساط المحللين حيال آفاق أسعار النفط خلال الفترة المقبلة، مع تحسن الطلب واستمرار الخفض الطوعي للإنتاج من جانب «أوبك بلس».
وأظهر مسح صادر عن «بلومبرغ إنتليجنس» أن متوسط سعر خام برنت القياسي قد يتجاوز مستويات 80 دولاراً للبرميل بنهاية العام الجاري.
ويرى 53% من المستجيبين للمسح أن برنت قد يتجاوز 80 دولاراً بنهاية هذا العام، بينما يعتقد 5% أن الخام قد يتجاوز مستويات 100 دولار للبرميل.
ورفعت إدارة معلومات الطاقة الأميركية توقعاتها لمتوسط سعر خام برنت إلى 87 دولاراً للبرميل هذا العام، بزيادة 5.6% من تقديراتها الصادرة الشهر الماضي.
وكما ذكرت الإدارة أنها رفعت توقعاتها لسعر خام برنت في العام المقبل إلى 85 دولاراً للبرميل، ما يشير إلى زيادة 6.7% عن تقديراتها السابقة.
وقال «مارتين راتس» المحلل في «مورغان ستانلي» إن المستثمرين قد يشعرون بالمفاجأة من ارتفاع أسعار النفط هذا الصيف.
ويعتقد «راتس» أن سوق النفط قد يشهد حالة من نقص المعروض وتراجع للمخزونات خلال أشهر الصيف، مع ارتفاع الطلب خلال موسم القيادة في الولايات المتحدة.
ويعتقد بنك «غولدمان ساكس» أن سعر خام برنت سيظل يتداول في نطاق 70 إلى 90 دولاراً للبرميل على المدى القريب، مع علاوة المخاطر الجيوسياسية جراء الحرب في أوكرانيا وغزة.
ورفع البنك توقعاته لسعر برنت خلال ذروة موسم الصيف بنحو دولارين ليصل إلى 87 دولاراً للبرميل، مع تراجع مخزونات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
لكن لا يخلو الأمر من بعض المخاطر على جانبي الطلب والمعروض من الخام خلال الفترة المقبلة، ما قد يهدد بإنهاء التعافي الحالي للأسعار.