عشية استئناف مفاوضات الدوحة الهادفة إلى وقف مسلسل القتل والتجويع المستمر منذ 165 يوماً في غزة، جدد الرئيس الأميركي جو بايدن، في أول اتصال مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو منذ منتصف فبراير الماضي، قلقه «العميق» من شنّ عملية عسكرية في مدينة رفح، وطالبه بإرسال فريق من الجيش وأجهزة الاستخبارات والمتخصصين في المساعدات الإنسانية إلى واشنطن في الأيام المقبلة، لتوضيح تحفّظاته عن الهجوم المخطط على المدينة الحدودية مع مصر، ومناقشة البدائل الممكنة.

وناقش بايدن مع نتنياهو «المفاوضات الجارية في قطر بشأن الرهائن والأزمة الإنسانية في غزة»، وأكد «الحاجة الملحّة إلى زيادة كبيرة في تدفق المساعدات المنقذة للحياة، لتصل إلى المحتاجين في جميع أنحاء القطاع، مع التركيز بشكل خاص على الشمال».

Ad

وشدد الرئيس الأميركي على ضرورة «حماية السكان المدنيين وتسهيل توصيل المساعدات بشكل آمن ودون عوائق في جميع أنحاء غزة».

وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان: «لدينا توقعات بأن الإسرائيليين لن يمضوا قُدماً في شن عملية عسكرية كبيرة في رفح قبل أن نجري هذه المحادثة» مع فريق نتنياهو في نهاية الأسبوع الجاري، محذّراً من أن شن عملية عسكرية إسرائيلية كبيرة في رفح سيكون خطأ، إلا أنه ينبغي ألا تستغل «حماس» المدينة أو أي مكان آخر كملاذ آمن، ويجب اتباع «نهج آخر» يهدف إلى مواجهتها دون القيام بهجوم بري كبير.

ورفض سوليفان تقارير أفادت بأن لهجة الحوار بين بايدن ونتنياهو كانت متوترة، وأن الاتصال الهاتفي، الذي استمر 45 دقيقة، انتهى بشكل مفاجئ، مؤكداً أنها كانت عملية وممنهجة.

وبعد المكالمة، صرح نتنياهو بأنه ناقش مع بايدن «التزامه بتحقيق كل أهداف الحرب، وهى القضاء على حركة حماس، والإفراج عن كل الرهائن، والتعهد بألا تعدّ غزة تشكل تهديدا لإسرائيل»، متعهداً بتوفير «المساعدات الإنسانية الضرورية التي تساعد على تحقيق هذه الأهداف».

جولة بلينكن

إلى ذلك، قرر بايدن إرسال وفد بقيادة وزير الخارجية أنتوني بلينكن اليوم إلى السعودية ومصر، لبحث الجهود المبذولة لضمان التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وتأمين إطلاق سراح الرهائن وزيادة دخول المساعدات.

وقال بلينكن، في مؤتمر صحافي بمانيلا، إن زيارته للسعودية اليوم ومصر غداً ستهدف إلى «مناقشة الأساس السليم لسلام إقليمي دائم مع قادة البلدين، لأننا ما زلنا نواجه وضعا إنسانيا مروعا للأطفال والنساء والرجال في غزة»، مضيفاً: «%100 من سكان القطاع يعانون انعدام الغذاء وبحاجة إلى مساعدات إنسانية، وهذه هي أول مرة يتم فيها تصنيف شعب بأكمله على هذا النحو».

وأوضح بلينكن أن «الولايات المتحدة أكدت لإسرائيل ضرورة أن تكون لديها خطة لغزة، وإعطاء الأولوية لحماية المدنيين وتوفير المساعدة الإنسانية لمن هم في أمسّ الحاجة إليها».

تفاصيل التفاوض

إلى ذلك، كشف مسؤولان إسرائيليان ومصدر مطلع لموقع أكسيوس، أمس، عن بدء إسرائيل وحركة حماس التفاوض على تفاصيل اتفاق محتمل لتأمين هدنة مدتها 6 أسابيع مقابل الإفراج عن 40 إسرائيلياً، موضحين أن المحادثات ستكون طويلة وصعبة ومعقدة، وقد تستغرق أسبوعين على الأقل، أي حتى بداية الليالي العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك.

ووفق المسؤولين الإسرائيليين، فإن الخلافات قائمة، لكنّ رد «حماس» الخميس الماضي أتاح التقدم من الإطار العام إلى وضع تفاصيل الاتفاق. وشمل إطار العمل الأميركي الإفراج عن 400 سجين فلسطيني بينهم 15 يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد بتهمة قتل إسرائيليين مقابل إطلاق سراح 40 محتجزاً.

ويقول مسؤولون إسرائيليون إن «حماس»، التي اشترطت الإفراج عن 950 سجيناً بينهم 150 يقضون أحكاماً بالسجن مدى الحياة، تريد اختيار أسماء من سيتم الإفراج عنهم، لكنّ إسرائيل رفضت هذا الطلب.

وأفاد مسؤولون بأن إسرائيل تطلب تسلّم قائمة بأسماء المحتجزين الأحياء وترحيل الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم إلى دولة أخرى، لكن «حماس» رفضت.

ووفقاً لموقع أكسيوس، فإن الفجوة الأكبر تتمثل في طلب «حماس» انسحاب الجيش الإسرائيلي من ممر أنشأته جنوب غزة يحول دون عودة الفلسطينيين إلى الشمال، أما نقطة الخلاف الأخرى فهي طلبها أن تنطوي المرحلة التالية من الاتفاق، والتي يمكن أن تشمل الإفراج عن جنود، على وقف دائم لإطلاق النار.

وصرح مصدر مطلع بأن الجلسة الافتتاحية من المفاوضات بقيادة رئيس وزراء قطر الشيخ محمد بن عبدالرحمن ورئيس «الموساد»، دافيد برنياع، الوسطاء المصريين كانت «إيجابية والجانبان جاءا ببعض التنازلات والاستعداد للتفاوض».

بدوره، أعلن المتحدث باسم «الخارجية» القطرية، ماجد الأنصاري، أن المفاوضات استؤنفت بجميع مساراتها، والفرق الفنية بدأت بحث التفاصيل وتبادل المقترحات، مؤكداً أن «الوقت لا يزال مبكراً للحديث عن أي اختراق، لكن هناك تفاؤلا بشأن ذلك».

وأوضح الأنصاري أن المفاوضات مستمرة رغم مغادرة رئيس «الموساد» الدوحة، وأن اجتماع أمس جاء لنقل الردود بين الطرفين، وشمل الاستجابة الإسرائيلية لإرسال مقترح مقابل لرد «حماس»، وهذا هو الهدف الرئيسي.

وحذّر الأنصاري من أن «أي عملية في رفح ستؤدي إلى كارثة إنسانية، وستؤثر سلبا على سير المحادثات والتوصل إلى اتفاق، مشيراً إلى أن الدفعة العشرين من جرحى غزة وصلت إلى الدوحة لتلقي العلاج.

نتنياهو وخصومه

وعلى النقيض من الجولات السابقة، كان من اللافت استبعاد نتنياهو للوزير بحكومة الحرب، بيني غانتس، ورئيس «الشاباك»، رونين بار، عن الوفد الإسرائيلي، وفق الإذاعة العامة، التي أوضحت أن ممثل الجيش نيتسان ألون انضم إلى المحادثات.

وفي مؤشر على التوتر المتزايد، منع نتنياهو رئيسَي «الشاباك» وشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، أهارون حاليفا، من لقاء مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف.

في غضون ذلك، كشفت «بوليتيكو» أن نتنياهو يبحث الدعوة إلى انتخابات مبكرة في محاولة لإبقاء قبضته على السلطة، مع تصاعد الضغوط في الداخل والخارج.

ونقلت الصحيفة عن أحد مساعدي نتنياهو أنه «تم استكشاف هذا الخيار لأول مرة في جلسات استراتيجية منتظمة في ديسمبر الماضي، حتى قبل أن يدعو عضو مجلس الحرب غادي آيزنكوت لإجراء انتخابات في أقرب وقت».

ووفق «بوليتيكو»، فبينما «يحاول نتنياهو التشبث بالسلطة، فإنه يواجه مطالب متناقضة بشأن اتجاه الحرب، إذ يضغط السياسيون المعارضون الذين انضموا إلى حكومة الحرب منذ فترة طويلة، من أجل التوصل إلى اتفاق مع حماس لتأمين عودة الرهائن من غزة».

من جانبهم، «يضغط المشرّعون من حزب الليكود، فضلا عن اليمينيين المتطرفين في الائتلاف الحاكم، من أجل استمرار العمليات العسكرية بأقصى سرعة، إلى أن يتم القضاء على حماس»، كما أنهم يرفضون تماما المطالب الأميركية والأوروبية بخطة «اليوم التالي»، التي تتضمن مفاوضات حقيقية لإنشاء دولة فلسطينية مستقلة.

وبحسب القناة 13، فإن وزيرَي الأمن إيتمار بن غفير، و«المالية»، بتسلئيل سموتريتش، هددا بالانسحاب من الحكومة حال تضمنت الصفقة المحتملة مع «حماس» إطلاق سراح من دينوا بقتل إسرائيليين.

وفيما اعتبر سموتريتش أن الحسم العسكري واستسلام «حماس» هما الطريقة الوحيدة لإعادة المحتجزين والانتصار، أعلن بن غفير نجاحه في تسليح 100 ألف مستوطن منذ بداية الحرب على غزة من أصل 300 ألف طلب لحيازة الرخصة.

مجمع الشفاء

ميدانياً، واصل الجيش الإسرائيلي عمليته واسعة النطاق في مجمع الشفاء وسط مدينة غزة، وأعلن «مقتل قائد في غرفة عمليات اللواء 401 في شمال القطاع ليرتفع عدد قتلاه إلى 594 منذ 7 أكتوبر».

وفي حين تسببت الأمطار الغزيرة والرياح الشديدة في غرق خيام آلاف النازحين، قُتل 93 فلسطينياً وأصيب 142 خلال الـ24 ساعة الماضية، ليرتفع ضحايا مجازر الاحتلال إلى 31819 شهيداً و73934 مصاباً.

ورأت الأمم المتحدة أن قيود إسرائيل الصارمة جداً على دخول المساعدات واحتمال أنها تستخدم التجويع كسلاح، «قد تشكل جريمة حرب».