تحل علينا اليوم الذكرى الأولى لرحيل المناضل عبدالله النيباري، ووفاءً لهذه القامة الوطنية الشّماء لا يسعنا إلا أن نستعرض يسيراً من إنجازاته الوطنية وسجاياه الإنسانية التي رسخته علماً ورمزاً لحب الوطن والفداء له.

عبدالله النيباري سياسي بالفطرة، متخصص في الاقتصاد، خبير بالقطاع النفطي، اندمج في النشاط السياسي الطلابي منذ أن كان طالباً جامعياً في الجامعة الأميركية في القاهرة، حينها شارك في تأسيس رابطة الطلبة الكويتيين في القاهرة، مما يؤكد إيمانه الوطيد بالعمل السياسي الجماعي.

Ad

عايش النيباري إرهاصات المسيرة الديموقراطية في الكويت مختلطاً بزعامات ورموز سياسية ضليعة بالمعارضة في صدارتها الراحل الكبير د.أحمد الخطيب وجاسم القطامي وسامي المنيّس وغيرهم، ناهلاً من خبرتهم السياسية وشخصياتهم القيادية، مضيفاً لها عزماً وإرادةً وجهداً دؤوباً لا يفتر، ترفده ثقافة عصرية ووعي فكري مع ذهنية متقدة، منفتح على مختلف التيارات السياسية، مستوعب النظريات الاقتصادية العالمية.

نال عبدالله النيباري شرف عضوية مجلس الأمة لخمسة فصول تشريعية ابتدأها عام 1971م وكان آخرها عام 1999م، أبلى فيها بلاءً مشهوداً، كان خلالها رأس الحربة وفي طليعة المطالبين بتحرير ثروتنا النفطية– من احتكار الشركات النفطية الأجنبية– التي تم تحريرها بالكامل عام 1975م، نذكر فيها مقولته الخالدة: «إن الاستقلال الاقتصادي للدولة لا يقل شأناً عن الاستقلال السياسي».

يستعرض النيباري طرح قضاياه بموضوعية بعيداً عن الشخصانية، مبرهناً على رجاحة أفكاره ببراعة لافتة، رئيس التحرير في جريدة «الطليعة» المعارضة، التي تعدّ من أعرق وأشهر جرائد المعارضة المسؤولة في الوطن العربي، مقدام لا يتراجع عن المطالبة بحقوق الشعب وحرياته، لَمْ ترهبه طلقات سلاح الغدر من أشباح الفساد، فتجرحه ويتعافي، ويدوي بعدها صوته في قاعة مجلس الأمة «إن محاولة الاغتيال لن تثنيني عن مسؤوليتي في الدفاع عن ثروات الشعب ومحاسبة الفاسدين وسراق المال العام».

لدى الراحل الكبير حقوق المواطنة لها الأولوية على الواجبات، سلطة الدولة مستمدة من السلطة الشعبية، ثروة الدولة وأموالها عُهدة لدى الحكومة، والمراكز القيادية في الدولة رهن لمستحقيها مهما كانت انتماءاتهم الاجتماعية أو توجهاتهم الطائفية أو أعراقهم.

صريح وجريء في نقده للسياسات الداخلية والخارجية، لا يجامل على حساب المبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية والمصالح العامة والعدالة الاجتماعية، دعا إلى مساندة وتأييد الاعتراف بالدول الاشتراكية الشعبية المقاومة للمعسكر الغربي الرأسمالي الاستعماري، مؤيداً للثورات أينما انتفضت ضد طغاتها.

شخّص الراحل النيباري مواطن الخلل السياسي والعوار الدستوري في المشهد السياسي، لذا طالب بنظام «ملكي دستوري» يتمم توجهات النظام البرلماني الكويتي، ويجنب الحياة السياسية الكثير من المزالق والانعطافات بعيداًعن الاستحقاقات الديموقراطية، فالصلاحيات لرمز السلطة يتم تقليصها لصالح البرلمان، والحكومة ورئيسها لا بد أن ينالا ثقة أعضاء البرلمان درءاً لمخاطر الانفراد بسلطة القرار واحتكار الرأي، وبالتالي الإخلال الصريح بالمادة السادسة من الدستور «نظام الحكم في الكويت ديموقراطي السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً».

الراحل النائب عبدالله النيباري مشواره السياسي الحافل لم يدوّن بعد للأجيال القادمة، ينقصه من يدوّنه ويوثقه، فسيرته فصل من مسيرة شعب سخيّ معطاء، أنجب عبدالله النيباري وأمثاله وكفاه ذلك فخراً وبهاءً.