دارت الكاميرا من جديد، وشارك عمر الحريري في أربعة أفلام في عام 1976، منها الفيلم الميلودرامي «وبالوالدين إحسانًا»، سيناريو محمد مصطفى سامي، وإخراج حسن الإمام، وجسّد الحريري شخصية «مدير الشركة» أمام فريد شوقي، وسهير رمزي، وسمير صبري، ومحمد صبحي، وكريمة مختار.
والفيلم نسخة ثانية من «غضب الوالدين» (1953)، بطولة شادية، وشكري وسرحان، مع بعض الاختلافات الدرامية، ولنفس المخرج حسن الإمام، وعُرض «بالوالدين إحسانا» في 24 أكتوبر 1976، وحقق إيرادات عالية، وفاز بجائزة جمال عبدالناصر التذكارية عام 1977.
واستمرت رحلة الحريري مع الأفلام المُعادة برؤية سينمائية جديدة، ولعب دور «مفتش المباحث» أمام نور الشريف، وميرفت أمين في «دائرة الانتقام» المقتبس عن قصة «الكونت دي مونت كريستو» للكاتب الفرنسي ألكسندر دوماس، وسبق أن تناولتها السينما المصرية في أفلام كثيرة، منها «أمير الانتقام» (1951) بطولة أنور وجدي، و»أمير الدهاء» (1964) بطولة فريد شوقي، وكلا الفيلمين للمخرج هنري بركات.
وشهد «دائرة الانتقام» أول لقاء للحريري مع المخرج سمير سيف في تجربته الإخراجية الأولى، وشارك في الفيلم مجموعة من النجوم، منهم يوسف شعبان، وشويكار، وصلاح قابيل، وإبراهيم خان، وعُرض في 25 أكتوبر 1976، وحقّق إبرادات عالية. وتدور القصة حول أربعة أشخاص يقومون بعملية سرقة وقتل، ويتخلصون من أحدهم ليدخل السجن ويخرج بعد 15 سنة لينتقم منهم.
العذاب امرأة
وتتابعت رحلة الحريري في سينما السبعينيات، وشارك في أعمال تتراوح بين الميلودرامية والرومانسية والكوميديا، وعادت صورته للظهور في ملصق فيلم «إلى المأذون يا حبيبي» سيناريو بهجت قمر، وإخراج محمود فريد، وبطولة فريد شوقي وصفاء أبوالسعود، وسمير غانم، ويونس شلبي، وعُرِض الفيلم في 27 يونيو 1977.
وفي العام نفسه، جسّد شخصية «الدكتور اسماعيل» في فيلم «العذاب امرأة» المقتبس من مسرحية «الأب» للكاتب السويدي أوغست ستريندبرغ، وسيناريو علي الزرقاني، وإخراج أحمد يحيى، وبطولة محمود ياسين، ونيللي، وصفية العمري.
«المحفظة معايا»
وشارك الحريري في 10 أفلام خلال عام 1978، منها «سلطانة الطرب» وجسّد فيه شخصية «السفرجي شلبي» أمام فريد شوقي، وشريفة فاضل، وليلى فوزي، ومريم فخرالدين، وإخراج حسن الإمام.
وخاض مغامرة كوميدية مع النجم عادل إمام في «المحفظة معايا»، سيناريو أحمد عبدالوهاب وإخراج محمد عبدالعزيز، وشارك في بطولته نورا وسمير صبري. ويدور الفيلم حول الشاب «عطوة» الذي يفشل في الدراسة، ويتحوّل إلى «نشّال» وتقوده المصادفة إلى اكتشاف مستندات تدين صديقه «شكري» في قضايا اختلاس.
القاضي والجلاد
وظهر الحريري كضيف شرف، وجسّد شخصية «حسن بك» في «رحلة النسيان»، تأليف موسى صبري، وإخراج أحمد يحيى، وشارك في البطولة نجلاء فتحي، ومحمود ياسين، وهويدا. وتدور فكرة الفيلم في إطار رومانسي، وتم تصويره بين مصر واليونان، وعُرِض في 25 ديسمبر 1978.
والتقى الحريري مرة أخرى مع نجلاء فتحي في «القاضي والجلاد» (1978)، تأليف فيصل ندا، وإخراج نادر جلال، وبطولة رشدي أباظة، ومحمود قابيل، ومريم فخرالدين. وفي العام ذاته، جسّد شخصبة مخرج سينمائي أمام نادية الجندي، وحسين فهمي في «ليالي ياسمين» تأليف سمير عبدالعظيم، وإخراج هنري بركات.
كما جسّد شخصية طبيب نفسي في فيلم «القمة الباردة»، سيناريو درويش الجمل، وإخراج مهند الأنصاري، وبطولة محمد نوح، وليلى طاهر، وإسعاد يونس. ويحكي الفيلم معاناة مُطرب مشهور من هواجس تزعجه، فيدفع مديرة أعماله لاستشارة الطبيب النفسي «الدكتور ضياء»، وخلال رحلة علاجه تحدث مفاجأة غير متوقعة.
عاصفة من الدموع
وفي عام 1979، قدّم الحريري خمسة أفلام منها «عاصفة من الدموع»، وشارك في بطولته مع النجم فريد شوقي، وليلى طاهر، وعبدالوارث عسر. والفيلم قصة محمد مصطفى سامي، وإخراج عاطف سالم. وفي العام نفسه التقى مع النجوم شادية، ويحيى شاهين، ومحمود ياسين في «الشك يا حبيبي»، تأليف سمير عبدالعظيم، وإخراج هنري بركات.
وتراجع ظهور الحريري في السينما، خلال فترة الثمانينيات، حيث قدم 11 فيلمًا فقط على مدى عشرة أعوام، وجسّد شخصية «رئيس النيابة» أمام عادل إمام في الفيلم الكوميدي «انتخبوا الدكتور سليمان عبدالباسط»، المقتبس من الفيلم الأميركي «امرأة في الشبّاك» (1944)، وسيناريو وحيد حامد، وإخراج محمد عبدالعزيز، وشارك في بطولته مديحة كامل، وسهير البابلي، وأحمد راتب، وعُرِض في 18 مايو 1981.
وقدّم الممثل المحبوب فيلما واحدا فقط في عام 1986، وقام ببطولة «المشهد الأخير» مع رجاء الجداوي، ومريم فخرالدين. والفيلم من تأليف رأفت الخياط، وإخراج محمد بسيوني، وتدور الأحداث حول «حازم رفعت» كاتب مسرحي مشهور، يبحث عن بطلة لمسرحيته الجديدة، وبظهورها تنقلب حياته رأسا على عقب.
توت عنخ آمون
وغاب الحريري عن سينما التسعينيات، باستثناء فيلم «البحث عن توت عنخ آمون» (1997)، تأليف وإخراج يوسف فرنسيس، وبطولة حسين فهمي، وجيهان نصر، ومحمد منير، وحمدي غيث. ويروي الفيلم قصة اكتشاف مقبرة الملك الفرعوني توت عنخ آمون.
وظهر كضيف شرف في فيلم «معالي الوزير»، وجسّد شخصية «رئيس الوزراء حسين الأحمدي»، أمام النجم أحمد زكي، ويسرا، ولبلبة، وميمي جمال، وحجاج عبدالعظيم، والفيلم من تأليف وحيد حامد، وإخراج سمير سيف، وحين عُرض في 5 ديسمبر 2002، حقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، وبلغت إيراداته نحو ثلاثة ملايين جنيه.
وكان آخر ظهور للفنان عمر الحريري على الشاشة، كضيف شرف في فيلم «الرجل الغامض بسلامته»، إخراج محسن أحمد، وبطولة هاني رمزي، ونيللي كريم، وحسن حسني. ويدور الفيلم في إطار كوميدي حول شاب بائس تقوده الظروف، ليصبح شخصية مشهورة.
أبو البنات والزواج
تزوج عمر الحريري ثلاث مرات، وأنجب من كل واحدة ابنة، ولذا أُطلِق عليه لقب «أبوالبنات»، وجاءت زيجته الأولى في سن المراهقة بناء على رغبة والده من آمال السلحدار، وأنجب منها ابنته «نيفين»، ووقعت بينهما خلافات كثيرة، بسبب غيرتها الزائدة، وانشغاله بالفن، ورغم ذلك أحبها وظل معها حتى وفاتها.
أما الزيجة الثانية فكانت بعد سنوات من نادية سلطان، وهي سيدة مجتمع تتميز برقيها وثقافتها، والتقى بها في إحدى الحفلات، ودارت بينهما مناقشات ولقاءات عديدة ووجدها متميزة ومختلفة عن الأخريات، فتزوجها وأنجب منها ابنته الثانية ميريت، وبعد سنوات من السعادة والاستقرار دبّت بينهما الخلافات لانشغاله بعمله، ووصلت علاقتهما إلى طريق مسدود، واتفقا على الانفصال بهدوء، وقرّر عدم خوض تجربة الزواج مجددًا، وتفرغ لفنه فقط.
وكانت الأضواء تلاحق الحريري وزوجته سيدة المجتمع، ونشرت مجلة «روزاليوسف» المصرية في 13 أكتوبر عام 1958 أن النجم السينمائي اشترى سيارة «شيفروليه» موديل حديث بمبلغ 2007 جنيهات، واستمر في ذلك الوقت يركب سيارة «فولكس» كان قد اشتراها شراكة مع وزوجته نادية سلطان، وعندما تم الطلاق بينهما ترك لها جهاز تسجيل وفرنًا وبوتاجازًا تسديدًا لنصيبها في السيارة.
وبعد سنوات طويلة، جاءت الزيجة الثالثة من الفنانة المغربية رشيدة رحموني، التي كانت تصغره بنحو 35 عامًا، لكنها أحبته، وبادلها نفس المشاعر، وأنجبت منه ابنتهما بريهان، وقيل وقتها إن رشيدة تزوجته طمعًا في الشهرة، لكنها أثبتت العكس فلم تطلب منه شيئًا، ولكن حدث الانفصال بينهما في عام 2007.
السنوات الاخيرة
عانى عمر الحريري في السنوات الأخيرة بسبب إصابته بالسرطان، وعلمت ابنته ميريت، لكنها لم تخبره حتى لا يتأثر نفسيًا، واستمر في التمثيل من دون أن يعلم بمرضه لمدة ثماني سنوات، وفي تلك الفترة كان يعيش في منزل ابنته، ولم يتوقف صديقه الفنان عادل إمام عن الاطمئنان عليه.
وروت ميريت أن والدها دخل إلى المستشفى في أيامه الأخيرة وظل هاتفه المحمول معها، واتصل به الفنان عادل إمام من الأردن، ووقتها كان يصوِّر مسلسل «فرقة ناجي عطا الله»، وفي يوم رحيل والدها، اتصل بها وقام بواجب العزاء.
وكان الحريري يتمنى الموت على خشبة المسرح، وتحققت أمنيته حين كان يمثِّل في مسرحية «حديقة الأذكياء»، وفي أحد أيام العرض شعر بتعب شديد، ولم يستطع استكمال المسرحية، وتم نقله إلى المستشفى، وبعد أربعة أيام رحل في 16 أكتوبر 2011، عن عمر ناهز 85 عامًا.
اتسمت حياة النجم المحبوب بعلاقة مودة واحترام مع زملاء المهنة المصريين والعرب، وانطبعت في ذاكرة جمهوره، طلته النبيلة وابتسامته الهادئة، وحضوره المتميز، وبرحيله انطوت صفحة مضيئة من صفحات الإبداع المتميز، لفنان من أبرز رواد التمثيل في مصر والعالم العربي.
عريس ابنته يطلب يدها في المسرح!
كان عمر الحريري، يعتز بلقب «أبوالبنات» فقد أنجب ثلاث بنات من خلال ثلاث زيجات، وردد دائما أن البنات ستأتي له بالذكور حين يتزوجن، واعترف في مقابلة تلفزيونية أن انشغاله بالفن جاء على حساب حياته الخاصة، ونادرًا ما كان يجد وقتًا يجتمع فيه مع أفراد أسرته، لدرجة أن زوج ابنته «ميريت» عندما جاء يطلب يدها ذهب إلى والدها في كواليس مسرحية «شاهد ما شافش حاجة»!
وحظيت ابنته الصغرى «بريهان» بقدر كبير من رعايته، فقد رُزِق بها وعمره تجاوز السبعين عاما، وتصادف في تلك الفترة أنه كان مقلًا في أعماله الفنية، واكتفى بالمشاركة في عمل أو اثنين في كل عام، ورفض الكثير من السيناريوهات المعروضة عليه، لأنها لا تتناسب مع تاريخه الفني، لذلك وجد الوقت الكافي للاهتمام ببناته الثلاث.
وروت ابنته ميريت ذكرياتها عن والدها وحياته الأسرية، وقالت إنه كان إنسانًا بسيطًا يشبه شخصيته في أعماله، ويتعامل معهم بحزم من دون انفعال، وكان من عشاق الاستماع لأم كلثوم، ويسجّل حفلاتها، وعند سفرهم من ليبيا إلى مصر كانوا يستمعون طوال الطريق إلى كوكب الشرق.
ووجهت ميريت رسالة مؤثرة إلى أبيها: «والدي الغالي لقد كنت نعم الأب ونعم الفنان، لقد رحلت، بعد أن قدمت رسالتك كأب كاملة، أفتخر بأنك والدي، فقد عشت باحترام، وربيتني على الاحترام، أفتقدك وأعيش على ذكراك، وحشتني».
«العصفور والقفص» أول مسلسل له في التلفزيون
ترك الفنان الراحل عمر الحريري رصيدًا ضخمًا من الأعمال التلفزيونية، وكان من أوائل نجوم السينما الذين شاركوا في مسلسلات درامية، وبدأها بمسلسل «العصفور والقفص» عام 1961 من إخراج وجيه الشناوي، وشارك في بطولته سهير البابلي، وعصمت محمود، ونادية عزت، وإحسان شريف، وعايدة كامل.
ويُعتبر «القط الأسود» (1964) إخراج عادل صادق وتأليف محمد عبدالقادر، من أوائل المسلسلات التي دارت أحداثها في إطار من الجريمة والغموض على مستوى العالم العربي، وحظي بنسبة مشاهدة عالية، وجسّد من خلاله الفنان عمر الحريري شخصية مفتش المباحث «ممدوح» أمام محمود المليجي، وعلوية جميل، وتوفيق الدقن، ومديحة سالم، وسامي سرحان.
وتألق الحريري في الأداء الكوميدي من خلال «ساكن قصادي» (1995)، تأليف يوسف عوف، وإخراج إبراهيم الشقنقيري، وشارك في بطولته سناء جميل، وخيرية أحمد، ومحمد رضا. وتدور أحداثه في حلقات متصلة منفصلة بين عائلتين متجاورتين في السكن بنفس البناية، ويقع بينهما في كل حلقة موقف كوميدي جديد.