الأوروبيون ينقسمون حول تسليح أنفسهم وأوكرانيا
موسكو تسيطر على بلدة أوكرانية... والكونغرس يستعد لإجازة دون تمرير قانون مساعدة كييف
يناقش زعماء الاتحاد الأوروبي، في قمتهم التي انطلقت في بروكسل أمس، وتستمر الى اليوم، كيف يمكن لأوروبا بذل المزيد من الجهد للدفاع عن نفسها وتعزيز صناعة الأسلحة، ما يعكس المخاوف من أن روسيا قد لا تتوقف عند أوكرانيا، وأن الولايات المتحدة قد لا تكون حاميا قويا لأوروبا في المستقبل، إلى جانب خطة لاستخدام أرباح بمليارات اليورو من الأصول المالية الروسية المجمدة لشراء أسلحة لأوكرانيا، في إطار محاولتهم دعم كييف في معركتها ضد غزو موسكو.
وكتب رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، في رسالة الدعوة لحضور القمة، «على مدى عقود، لم تستثمر أوروبا ما يكفي في أمنها ودفاعها»، مضيفا: «الآن ونحن نواجه أكبر تهديد أمني منذ الحرب العالمية الثانية، حان الوقت لاتخاذ خطوات جذرية وملموسة لنكون جاهزين للدفاع، ونجعل اقتصاد الاتحاد الأوروبي على استعداد للحرب».
ويعتزم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حث زعماء الاتحاد الأوروبي على تبني خطط جوهرية ومبتكرة لتعزيز الإنفاق الدفاعي، من بينها إقرار سندات مشتركة، وهي المقترح الذي تعارضه ألمانيا بشدة، داعية إلى استغلال الأصول الروسية المجمدة.
وتعكس مطالب ماكرون حجم الانقسام في بروكسل حول كيفية تمويل أكبر عملية إعادة تسليح لأوروبا منذ نهاية الحرب الباردة، في وقت تعاني الميزانيات الوطنية بأوروبا من ضغوط. وذكر مسؤول في الإليزيه: «نحن نثير هذه القضية لنقول إننا بحاجة إلى مصادر تمويل مبتكرة. ما نريده هو ألا نبدأ النقاشات بقيود على مصادر التمويل، لذلك ينبغي فحص سندات اليورو».
ويناقش الاتحاد الأوروبي سبل تكثيف الدعم لأوكرانيا، وجعل الدفاعات الأوروبية أكثر قوة، وسط مخاوف من تضاؤل المساعدات الأميركية لكييف، وإمكانية سحب الحماية الأميركية إذا عاد دونالد ترامب للبيت الأبيض.
ويحاول الاتحاد استكشاف عدة طرق لتمويل الإنفاق الدفاعي الإضافي، بدءا من تخصيص جزء من ميزانيته المشتركة لتمويل الإنفاق العسكري، وصولا إلى مقترحات مثيرة للجدل، كاستخدام عائدات الأصول السيادية الروسية المجمدة في أوروبا لتمويل تسليح أوكرانيا، والسماح لبنك الاستثمار الأوروبي باستثمار المزيد في الدفاع.
ومن الممكن أن يجمع اقتراح الأصول الروسية، الذي طرحته مفوضية الاتحاد الأوروبي، نحو 3 مليارات يورو سنويا، لكن دبلوماسيين أكدوا أنه من السابق لأوانه أن يؤيده الزعماء الأوروبيون، فضلا عن أن دولا كالمجر ومالطا وقبرص، لا تشعر بالارتياح تجاه استخدام هذه الأرباح لشراء الأسلحة.
مع ذلك، من المقرر أن يدعو قادة الاتحاد بنك الاستثمار الأوروبي إلى «تكييف سياسته الخاصة بإقراض الصناعة الدفاعية»، وفقا لمسودة بيان ختامي اطلعت عليها صحيفة فايننشال تايمز.
الدول الأوروبية تنقسم بين مقترح ماكرون لإصدار سندات دفاعية ومقترح ألمانيا لاستخدام أصول روسيا المجمدة
وكشف مسؤول أوروبي كبير، شارك في المفاوضات التي سبقت القمة، أن الدين المشترك، كما اقترحته فرنسا، «ليس خيارا ممكنا»، لكن باريس تتمسك ببحث جميع خيارات التمويل المحتملة، نظرا لأهمية تطوير الصناعة الدفاعية في أوروبا مع دعم أوكرانيا.
ويحظى مقترح الاقتراض المشترك، الذي يشبه السندات المشتركة التي أصدرها الاتحاد الأوروبي خلال وباء كورونا، بدعم بعض القادة الآخرين، بما في ذلك رئيسة وزراء إستونيا كاجا كالاس، لكن ألمانيا وهولندا والدنمارك تعتبر في المقابل أن الاقتراض المشترك ليست خيارا قابلا للتطبيق.
وحذر مسؤول ألماني من أن الجدل بشأن الاقتراض المشترك الجديد لن يؤدي إلا إلى صرف الانتباه عن الحاجة الملحة لمساعدة أوكرانيا، والحلول الأكثر جدوى، مثل استخدام الأصول الروسية، مضيفا أن «النقاش حول الأدوات المالية الإضافية المحتملة في المستقبل قد يكون محفزاً فكرياً، لكنه لا يساعدنا حقاً في الوضع الحالي».
وكان ميشيل، الذي يرأس القمة، ويحدد جدول أعمالها، أيد موقف ماكرون، ودعا بقية القادة إلى مناقشته، وكتب في مقال رأي نشرته عدة صحف أوروبية هذا الأسبوع أن سندات الدفاع الأوروبية «يمكن أن تكون وسيلة قوية لتعزيز ابتكاراتنا التكنولوجية وقاعدتنا الصناعية».
وحذّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل قبل القمة من أنه «اذا توجب على أوكرانيا الاستسلام، حينها سيتمّ تنصيب نظام صُوري في كييف، وسحق الشعب الأوكراني».
وتابع «سيكون الجيش الروسي على حدودنا، ونحن واثقون بأنه لن يتوقف عندها».
وتأتي القمة في وقت تحقق القوات الروسية بعض التقدم في أوكرانيا، مستغلة معاناة كييف من نقص الذخيرة لا سيما في ظل تعليق الدعم الأميركي بسبب خلافات سياسية داخلية في واشنطن بين الديموقراطيين والجمهوريين. ويستعد الكونغرس الاميركي لإجازة تمتد لأسبوعين بدءاً من نهاية الأسبوع الجاري من دون التصويت على دعم عسكري جديد لأوكرانيا التي يحتاج جيشها بشدة إلى الذخيرة لمواجهة القوات الروسية.
وأعلنت روسيا أمس السيطرة على قرية أوكرانية جديدة غرب بلدة أفدييفكا شرق البلاد التي سيطرت عليها الشهر الماضي في اكبر تقدم منذ أشهر. وبالتزامن مع زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان الى كييف، قالت أوكرانيا إنّها أسقطت فجر أمس 31 صاروخاً أطلقتها روسيا في اتجاه كييف أسفر حطامها عن إصابة 13 شخصاً بجروح، وذلك في أكبر هجوم يستهدف العاصمة الأوكرانية منذ مطلع فبراير، بعدما توعدت موسكو بالانتقام من عمليات قصف وتوغلات خلال الانتخابات الرئاسية.
وبعد فوزه بولاية رئاسية جديدة من ستة أعوام بنتيجة انتخابات جرت الأسبوع الماضي في غياب أي معارضة، اعتبر بوتين أن ما تحقّق في الداخل هو «مقدمة» للانتصار في أوكرانيا.