إن العمل بمبادئ الدستور وما نعيشه من حياة ديموقراطية نتيجة كفاح الإنسان الكويتي من أجل حياة كريمة ومستقبل أفضل، ونتيجة إيمان القيادة السياسية بحقيقة أن الدستور صمام أمان البلاد والعباد، وأن حرية التعبير عن الرأي، حتى إن شابها اختلاف في وجهات النظر، لا يمكن أن يفسد وداً ترسخ بين الحاكم والمحكوم على مر السنين.
قبل فترة أطلق بعض «العرب المتعربة» تغريدات مكثفة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي عبروا فيها بطريقة شامتة وكأن ديموقراطية الكويتيين هي ديموقراطية ترف حصل عليها الكويتيون مقابل الإيرادات البترولية الضخمة، معتقدين أن الديموقراطية والتنمية الشاملة محصورة في العمران والأبنية الكونكريتية. فكان ردة فعل الكويتيين على هذه النظرة السطحية أمراً طبيعياً، كما كان لزاماً أن يستنكر القوم مثل هذه التدخلات، ليس لأن التجربة الديموقراطية في الكويت تكاد تكون الوحيدة في المنطقة فحسب، إنما لما في تفسيراتهم لأوضاعنا من تجاهل لتاريخ الحياة السياسية في الكويت، وإساءة للعقل الكويتي وطعنة غائرة في وعيه السياسي، وفسر هذه الادعاءات آخرون بأنها بوادر هجوم مرتقب على المكتسبات الدستورية ومحاولة لإجهاض الديموقراطية الكويتية، أقول هذا لأن من عاش أجواء الكويت الخالية من «زوار الفجر» لابد أن يقف مع الأغلبية المدافعة عن الدستور ويؤيد مواقفها الوطنية، وضد من يحاول إيقاف المسيرة السياسية في الكويت.
ورغم ذلك يجب علينا نحن الكويتيين أن ننظر إلى الداخل الكويتي ونسأل أنفسنا: لماذا نلوم الآخرين، من الغرباء على الديموقراطية، الذين يحاولون وضع العصي في دواليب مسيرتنا، إذا كان بيننا من أهلينا من لا يؤمن بما نتمتع به من حرية، وهذا يذكرني بمقولة (اللهم احمني من أهلي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم). من ينشد حياة رغيدة في كنف الديموقراطية لابد أن يستسهل مسالكها الوعرة وطرقها الملتوية، ودروبها القاسية غير المستوية ومنحدراتها الحادة، والأسوأ من هذا كله لابد أن يصادف حفراً ومزالق ومستنقعات وأشكالاً من المعوقات في سبيل تحقيق مستقبل مشرق للقادم من الأجيال، ولهذا توقعنا بعد تحرير بلادنا من براثن أعداء الحرية أن يزيد تمسك الكويتيين بالدستور، خصوصاً بعد أن ذقنا مرارة العيش تحت وطأة دكتاتور القرن العشرين الذي كتم على أنفاسنا طوال سبعة أشهر مملة قاتلة، حتى ظننا حينها أن التنفس عد ضربا من تجاوز أسوار الحرية، فإذا بمجلس 1992 يصبح نقطة تراجع ملحوظة في تجربتنا الديموقراطية، بعد أن جلب لنا نوعية عجيبة وغريبة من نواب بدأوا مشوارهم النيابي بتحقيق صفقات شخصية كسرت مجاديف الشعب حينذاك، بعد أن تخصص بعض نوابه في تقديم مشاريع قوانين غريبة ذكرتنا بقوانين قاراقوشية.
إضافة إلى ذلك، لم يكن مستغرباً تراجع الكويت في ممارستها للديموقراطية الحقيقية خلال السنوات الثلاثين الماضية بسبب قوانين الجنسية غير الدستورية والتجنيس العشوائي للآلاف، فتشوهت الهوية الكويتية، إلى جانب استشراء الفساد في أروقة المؤسسات الحكومية بشكل مقزز، حتى طفح الكيل، وفجأة انطبقت علينا مقولة «اشتدي يا أزمة تنفرجي»، بعد أن شاع التفاؤل المفرط بين الكويتيين ليتوقع الكثيرون أن «آخر النفق لابد أن يشع نور»، لاحتمال عودة الأجواء السياسية التي كانت سائدة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ولتسكت أبواق أعداء الديموقراطية وكارهي حرية التعبير.