يُروى عن حسن الصباح أنه كان يأسر أتباعه عن طريق مخدر الحشيش، فيريهم الجنة التي يوعدون، ومن هنا كانت، حسب الرواية، سبب تسمية جماعته بـ«الحشاشين».
هي الحقيقة التي أدركها الصباح، أو صناع المسلسل الأكثر إثارة للجدل، وتجلت في أحد المشاهد التي تناولها بعض جمهور وسائل التواصل الاجتماعي بسطحية شديدة، كشدة العاصفة التي هبت على سفينة في عرض البحر، ويظهر حسن الصباح الذي كان أحد ركابها، يقرأ كتاباً عن الظواهر الطبيعية، ويقدم شرحاً عن مواقيت الرياح وحساب سرعتها.
وقبل انتهاء العاصفة بلحظات، ترك «العالم» الكتاب من يده وتوجه إلى مقدمة السفينة رافعاً يده في مواجهة العاصفة حتى هدأت، فأيقن العوام من ناس السفينة أنه صاحب كرامات، وأثار المشهد العوام من ناس مواقع التواصل، حتى أيقنت أنه أثر «الحشيش».
آثر حسن الصباح أن يصدّر نفسه لعوام عصره، كصاحب كرامات، لا كصاحب علم، لأنها الحقيقة التي أدركها، وذكرناها بداية المقال، أنه لن يصدقه أحد أو يتبعه، أو يؤمن به، بل حتى لن يُعتد به أو يُقدّر، أو ربما سيُزدرى، كعالم، لكن سيحظى بالتقدير، وينال كل المجد، ويُتّبع، بل سيُعبد، كصاحب كرامات... كدجّال.
ومن كرامات ذلك الزمن، وعوامه، وحشيشه، إلى كرامات الزمن الحالي، وعوامه، وحشيشه، وبمنطق حسن الصباح نفسه، ذاع صيت العرافة الشهيرة التي، من المؤكد أنها، استندت في معظم توقعاتها إلى التحليل المنطقي، لكنها أيقنت أنها لن تحقق ما حققته من انتشار وشهرة، ولن يستمع لها أحد إلا إذا صدرت نفسها كعرّافة وعالمة في الماورائيات... وقد كان.
وفي زمن يُحترم فيه الدجل ويُبجل، ويُزدرى فيه العلم ويُحتقر، كان لابد للقيمة أن تُهان وتُسفّه، على يد الطبيب الذي آثر أن يصدّر نفسه كعارض أزياء أو طبّاخ أو لا شيء، لأنه أدرك أن هذه هي البضاعة الرائجة التي ستوفر له كل المجد، وقد كان.
أو على يد متخرجة في أحد الأقسام الفنية بجامعة عالمية معتبرة، آثرت أن تصدّر نفسها للعوام كـ... و... حقيقة لا أعرف كـ... ماذا؟ ربما كصاحبة «بونچور يا بيبي»، فتنهال عليها العروض، وتستدعيها جامعات بدول أخرى، لتقدم محاضرات في الـ«بونچور يا بيبي» على مسارحها، وتنال مجدها.
أو على يد الكثير من أصحاب العلم الذين آثروا أن يصدّروا أنفسهم لـ«العوام» كـ«مؤثرين» وصنّاع محتوى، مهما كان تافهاً، أدركوا أن البضاعة الأكثر رواجاً هي الحشيش، فنالوا الحظ، والشهرة، وكل المجد، كحسن الصباح، وككل أصحاب الكرامات والدجّالين، ونال أتباعهم، الجنة التي يوعدون، لكن تحت تأثير الحشيش، وهو أمر، لو تعلمون، خطير.