عندما داهمتني فكرة كتابة مقال عن الفاضل حسين مكّي جمعة لإسهاماته التي سأتناول بعضها في هذا المقال الذي يمتد مغزاه ومعناه لكل أهل الخير في وطني، لم أكن مدركاً مدى تنوّع ووهج هذه الشخصية التي تستحق الذكر والتذكير بها لما تحتويه من قِيَم رفيعة نحتاج إلى استحضارها، وأهمها قِيَم المُبادرة والعَطاء والسَّخاء، أكتب هذا المقال بعدما سألت العديد من الأشخاص ذوي المعرفة به وبسيرته، والتي تلقيت على أثرها إجابات مختلفة في زواياها ومتطابقة في انطباعاتها، إذ جمعها الإعجاب والإشادة بعطائه سواء في عمله الخاص أو العام على حد سواء.
لا أود إضاعة سطور هذا المقال في سيرته المهنية، ولكن أستعرض وبإيجاز القطاعات التي عمل بها تأسيساً وعملاً والتي تكشف عن ثراء تجربته من غير الخوض في تفاصيلها فهذا مبحث آخر، ترك أبوعلي بصمته في البنوك والتأمين والاستثمار والتجارة والصناعة والنفط وغيرها، بالإضافة إلى العقار الذي شهد تشييده لأعلى مبنى سكني في الكويت في زمنه متمثلاً في أبراج عالية وغالية في منطقة الفنطاس مطلع الثمانينيات والتي بلغ عدد أدوارها 20 طابقاً في تناسق مع شخصيته الجادة والساعية للتفوق، وفي الشأن العام نال ثقة الناخبين عام 1975 ليصبح نائباً في مجلس الأمة الذي لم يكمل مدّته لكونه أول مجلس يتعرض للحل في تاريخ الكويت، وليس سراً الإشارة إلى تأثر السيد حسين الشديد بأزمة المناخ التي عصفت بالكويت مطلع الثمانينيات ولا تزال آثارها باقية إلى يومنا هذا.
أما في العمل الخيري، وهي المحطة التي دعتني إلى كتابة هذه السطور، فقد كانت له مبادرات بمستويات عديدة، منها أنه أول من قام ببناء أكشاك مكيّفة لرجال المرور، وأهمها مبادرته العظيمة عام 1982، عندما اتصل بوزير الصحة آنذاك د. عبدالرحمن العوضي، رحمه الله، مستفسراً منه عن احتياجات وزارة الصحة ليجيبه الوزير بحاجة الكويت الماسّة إلى مركز تخصصي لعلاج السرطان، ليقوم بعدها بالتبرّع بإنشاء وتجهيز مستشفى حسين مكّي جمعة للجراحة التخصصية (مركز الكويت لمكافحة السرطان) بمبانيه ومعداته الطبية من جيبه الخاص بتكلفة بلغت 7.500.000 د.ك، (وهي توازي شراء 25 قسيمة سكنية في الضاحية أو 75 قسيمة في مشرف آنذاك!) خلال مدة وجيزة لم تتجاوز 7 أشهر، وهو المستشفى الذي كان ولا يزال السبب في علاج عشرات الآلاف من المرضى بشتى أصنافهم، مرسياً بذلك دعائم جديدة تُحتذى للعمل الخيري الحقيقي النافع من أهل الخير بأن تصب خيراتهم في الحاجات الفعلية لمجتمعهم.
ثلاث رسائل، الأولى للدولة بالوفاء تجاه هذا الإنسان النبيل وغيره العشرات من رجال ونساء الخير في وطني الذين تبرعوا بسخاء خدمة لوطنهم في القطاع الصحي تحديداً، وذلك بالتكريم المعنوي وتضمين قصص العطاء ضمن المناهج الدراسية حتى لا تجتر الأجيال كراهية التجّار وجحود إسهاماتهم الوطنية والإنسانية السخية، ولتكون نماذج تُحتذى للعطاء.
والثانية لوزارة الصحة بتخصيص موقع بارز في مدخل مستشفى حسين مكّي للتعريف اللائق بالإنسان الذي كان سبباً في وجودهِ إنصافاً له بدلاً من الوضع الحالي الذي يخلو من أي ذكر تعريفي به!
والرسالة الثالثة هي شكر وامتنان فائقين لك يا أبا علي عَلى عطائك وسخائك آملاً أن تكون على ثقة بوفاء الكويتيين لك وبدعائهم وأملهم أن يمدّك الله بالصحة والعافية، وأن يطيل بعمرك لترى المزيد من أغصان شجرة الخير المثمرة التي غرستها بيديك.