إن من قالوا إن اللبنانيين ليسوا سعداء واهمون، وفي أحسن الأحوال لم يعاشروا اللبنانيين كي يعرفوا «سر النكهة» أو «الخلطة» التي جعلتهم من أتعس شعوب الأرض، فلبنان بلد يسير بانتظام وبدون رئيس للجمهورية، وكما قال مرة الشهيد رفيق الحريري «البلد ماشي».
وفي بلد «ديموقراطي» يعاد فيه تعيين رئيس مجلس نواب (عمره 86 سنة) للمرة السابعة باعتباره صاحب أطول ولاية في رئاسة مجلس النواب في العالم العربي، والأرجح في العالم.
وفي لبنان توقفت الدولة عن تقديم خدمة الكهرباء للمواطن بسبب الفساد والحرمنة، لكنه استعاض عنها بالطاقة الشمسية.
في لبنان صادرت الدولة أموال المودعين وحجزت على أموالهم، فاخترعوا حسابا جديدا اسمه «fresh Dollar» وعادت الناس للتعامل مع البنوك التي نهبتهم.
وفي بلدي تكدست النفايات في الشوارع وأمام البيوت، لكنهم لم يستسلموا، بل تحايلوا على المقاولين، وصاروا يجمعون نفاياتهم بأنفسهم مقابل مبلغ من المال يدفعونه لشركات حولت النفايات إلى أسمدة عضوية وطاقة كهربائية جلبت من ورائها الملايين.
في لبنان خلقوا طبقة جديدة أسموها «تجار الحروب» اغتنت على حساب الغالبية، ولم يتركوا سلعة إلا احتكروها لتباع في السوق السوداء بعشرات أضعاف قيمتها!
في بلد اقتصاده مدمر ونصف شعبه مهاجر وعملته أدنى من الحضيض، لا تجد كرسيا تجلس عليه في مطعم، بل عليك أن تحجز قبل وقت أو تنتظر دورك، فما تشاهده في أرقى وأغلى المطاعم لا تصدقه عيناك، والدفع بالدولار الأميركي، بعد أن استغنى اللبنانيون عن عملتهم الوطنية الليرة.
إذا قررت الذهاب إلى بيروت ستفاجأ أنه لا توجد مقاعد خالية، فخطوط الطيران تعمل بأقصى طاقتها.
جبهة الجنوب مشتعلة والقصف لا يتوقف ليل نهار، بالرغم من ذلك لم تتوقف دورة الحياة والسهر والحفلات والمطاعم والبارات والمدارس والجامعات والمستشفيات.
سيبقى هذا الشعب خارج إطار المنطق الحسابي، فهو من الشعوب التي تحب الحياة بالفطرة وتستمتع بها، مهما كانت قسوة العيش ومستوى الدخل وحجم الحريات وأرقام الناتج المحلي.
هذا الشعب يخلق السعادة في خضم الحروب والأزمات، عصي على الانكسار، يقاوم، يهاجر، يعمّر ويبني، المهم البقاء والاستمتاع بالحياة والابتسامة التي لا تفارق محياه، وأنا سعيد بأغنية فيروز الرائعة وهي تصدح بصوتها الملائكي «بحبّك يا لبنان... يا وطني بحبّك».