بين دولة الرعاية والريع
خلط كبير في المفاهيم بين دولة الريع ودولة الرعاية، دولة الريع، ببساطة، هي دولة تنابلة السلطان، النظام السياسي والأغلبية في المجتمع يعتمدون على مصدر طبيعي للثروة، دون عمل وجهد إنساني، فالثروة أتت بمصادفة القدر، مثل الوريث الذي ورث تركة كبيرة من قريبه، فلا هو بحاجة إلى العمل، ولا يعاني البحث عن مصدر للرزق، ولعل الباحث الإيراني مهدافي ود. حازم الببلاوي هما من أوائل من وضع تصورات الدولة الريعية في المنطقة الخليجية.
أيضاً مع الدولة الريعية تنمو حالات الفساد السياسي، فمن يكترث للقانون والعدالة والمستقبل مادامت الأكثرية من المواطنين مرتاحة مادياً؟ ولا يهمّ إن سرق مسؤول سياسي أو متنفذ أموالاً عامة أو استغل أي منهما سلطاته، فالخير وفير والوعي بالمال العام يغطّ في نوم عميق.
دولة الرعاية، ومثالها الفذ ربما هي دول الشمال الأوروبي؛ مثل النرويج والسويد والدنمارك، وتقريباً كندا في القارة الأميركية، ترعى المواطن في أهم حاجاته؛ مثل الطبابة والتعليم والسكن، لكن في المقابل تفرض ضرائب عالية على الدخول ومصادر الثروة للأفراد. أموال تلك الضرائب لا تذهب إلى جيوب السياسيين؛ مثلما هي الحال في الدول العربية وكثير من دول العالم الخائب، وإنما بوعي المواطن تعود عوائد الضريبة إلى خدمات للمواطن، ويحاسب المواطن السلطةَ إذا كانت الخدمات سيئة، وكل تلك الدول ديموقراطية، ومبدأ المحاسبة فيها شديد.
الكويت دولة رعاية ودولة ريع في آن واحد، والآن السلطة تفكر وتقترح تخفيف الدعوم الاجتماعية وزيادة الرسوم وفرض ضرائب غير ظاهرة، عبر الانضمام إلى اتفاقيات موحدة لدول الخليج في أنظمتها المالية، هناك خشية من أن تتخلى الدولة عن دورها في الرعاية عند الأغلبية، بينما تتمسك بحالة الريع عند أصحاب الثروات الضخمة، كأن تكون هناك عمومية تشريعية لا تفرّق بين أصحاب الدخول في مفهوم رفع الدعم أو زيادة الرسوم على سبيل المثال، ولعل الكارثة أن الكويت لم تفكر يوماً في وضع سياسة ضريبية يمكن للدولة أن تضبط بها الإنفاق العام والاقتصاد بصورة عامة، كانت ومازالت تفكر بعقلية اقتصادية لصاحب العمارة الذي يجلس في الظل عند بابها، وينتظر عوائد الإيجارات؛ من دون عمل منتج غير جهد البواب ومحصّل الإيجارات اللذين يكونان من الوافدين.
الإبقاء على دولة الرعاية وبتر أورام الريع، ليسا مسألة سهلة، ومع ثقافة متوارثة معيبة كالوساطات والمحسوبيات القبلية العائلية والتوازنات السياسية القائمة على الترضيات وليس الكفاءات، وميل السلطة الحاكمة إلى جماعات محددة في تشكيل قيادات الأجهزة السياسية والإدارية، تتباعد عنّا آمال الانتقال من دولة الريع إلى دولة الرعاية والإنتاج. فلننتظر الغد، دون أن ننسى أن الزمن لا يرحم المتواكلين.