«الفدرالي» الأميركي مستعد لتنازلات في حربه ضد التضخم
علامات تحذير جديدة... وباول: الزيادة المفاجئة في البطالة قد تدفعنا إلى خفض أسعار الفائدة
مع ارتفاع التضخم في عام 2022، تحرك بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي لمنع دوامة زيادة الأجور من خلال رفع أسعار الفائدة. والآن، مع ارتفاع معدلات البطالة، يشير البنك المركزي إلى استعداده لخفض أسعار الفائدة لتجنب دوامة خفض الوظائف، حتى لو كان ذلك يعني ارتفاع التضخم إلى حد ما لفترة من الوقت.
للمرة الأولى في الانتعاش الاقتصادي الحالي، استخدم رئيس بنك الاحتياطي الفدرالي جيروم باول بيانه الافتتاحي في المؤتمر الصحافي الأربعاء، ليعلن أن الزيادة المفاجئة في البطالة قد تدفع بنك الاحتياطي الفدرالي إلى خفض أسعار الفائدة، ثم كرر تلك الرسالة عدة مرات رداً على أسئلة الصحافيين.
وبينما ينتظر بنك الاحتياطي الفدرالي التأكد من فوزه في معركة التضخم قبل خفض أسعار الفائدة، فإن «الضعف غير المتوقع في سوق العمل قد يستدعي أيضاً استجابة سياسية»، كما قال بعد اجتماع السياسة الذي استمر يومين.
وقال باول، إنه لا يرى أي تصدعات في سوق العمل الآن، لكن بعض الاقتصاديين ليسوا متفائلين، ويشيرون إلى زيادات ملحوظة في البطالة في عدد من الولايات، واستمرار الانخفاض في التوظيف المؤقت وانخفاض ساعات العمل، بحسب ما نقلته «بلومبرغ»، واطلعت عليه «العربية Business».
وبغض النظر عن ذلك، يدرك باول وزملاؤه جيدا أن ما يبدو لهم أنه سوق عمل قوي يمكن أن يصبح سيئاً بسرعة: تاريخياً، بمجرد أن تبدأ البطالة في الارتفاع، فإنها ترتفع كثيراً، حيث تتبع الشركات بعضها البعض في الإعلان عن تسريح العمال.
أسعار الفائدة وضعف سوق العمل
ومن خلال التذرع بإمكانية خفض أسعار الفائدة إذا ضعف سوق العمل بشكل غير مبرر، يبدو أن باول يحاول عرقلة هذه العملية.
وقالت الخبيرة الاقتصادية السابقة في بنك الاحتياطي الفدرالي مديرة مشروع هاميلتون التابع لمعهد بروكينغز، ويندي إيدلبيرغ، إن الأمر «يتعلق بعدم الرغبة في اكتساب معدل البطالة الزخم».
وأضافت إيدلبيرغ أن باول يمكن أن يترك الباب مفتوحاً لتسهيل الائتمان، لأن التضخم «على مسافة قريبة» من هدف بنك الاحتياطي الفدرالي البالغ 2%، مبينة أن بنك الاحتياطي الفدرالي ليس مضطراً إلى ضرب سوق العمل للسيطرة على ارتفاع الأسعار، وبدلاً من ذلك يمكنه أن يختار التعايش مع تضخم أعلى قليلاً بضع سنوات.
وقال باول في إعلانه لقرار لجنة السياسة: «نحن ملتزمون بقوة بخفض التضخم إلى 2% مع مرور الوقت»، «لكننا نؤكد مع مرور الوقت». في إشارة إلى عدم وجود عجلة للوصول لهذا الهدف.
ارتفاع معدلات البطالة والانتخابات
وتبدو هذه أخبار جيدة للرئيس جو بايدن وهو يسعى لولاية ثانية. ولدى الناخبين بالفعل رؤية قاتمة لطريقة تعامله مع الاقتصاد. ولن يؤدي الارتفاع الكبير في معدلات البطالة إلا إلى تغذية هذا التصور قبل انتخابات نوفمبر.
كما أنها أيضاً أخبار جيدة للمستثمرين. ومع انخفاض التضخم عن مستوياته المرتفعة قبل عامين، أصبح بنك الاحتياطي الفدرالي الآن في وضع يسمح له بتوفير المزيد من الدعم للاقتصاد، وبالتالي الأسواق المالية.
وقالت صوفيا دروسوس، الخبيرة الاقتصادية والاستراتيجية في شركة Point72 لإدارة الأصول العالمية، لتلفزيون بلومبرغ، الجمعة، إن «البنوك المركزية تحصل على بعض التأمين لمساعدة جانب النمو في ولايتها، خاصة هنا في الولايات المتحدة»، «وهذا داعم للغاية للأصول الخطرة».
تباطؤ الوظيفة
ويتوقع صناع السياسات ارتفاع معدل البطالة إلى متوسط 4% في الربع الأخير من عام 2024، من أعلى مستوى في عامين عند 3.9% في فبراير، وفقاً لمتوسط توقعاتهم.
وقال باول إنه مع قيام الشركات بتقييد التوظيف، فإن بنك الاحتياطي الفدرالي يدرك المخاطر المتمثلة في أن موجة من عمليات تسريح العمال قد تؤدي إلى «زيادات سريعة إلى حد ما» في البطالة، لكنه أضاف أنه لا يتوقع حدوث ذلك، مشيراً بشكل خاص إلى المستوى «المنخفض جداً» لطلبات إعانة البطالة.
ومع ذلك، فإن بعض الاقتصاديين يكتشفون علامات التباطؤ في سوق العمل.
وسجلت 20 ولاية زيادات في البطالة كبيرة بما يكفي لتحفيز ما يسمى بقاعدة ركود «سهم» Sahm، وفقاً لحسابات أجراها جوناثان بينغل، كبير الاقتصاديين الأميركيين في شركة «يو بي إس سكيوريتيز»، وهو واحد من عدد متضائل من المحللين الذين ما زالوا يتوقعون حدوث ركود هذا العام، وهي تشمل نيويورك وكاليفورنيا والولايات المتأرجحة سياسياً مثل أريزونا وويسكونسن.
وتهدف هذه القاعدة، التي ابتكرتها الخبيرة الاقتصادية السابقة في بنك الاحتياطي الفدرالي، والتي تعمل الآن كاتبة عمود في «بلومبرغ»، كلوديا سهم، إلى تطبيقها على الاقتصاد الوطني، وليس على الولايات الفردية، فهي تفترض بداية الركود عندما يرتفع المتوسط المتحرك لثلاثة أشهر لمعدل البطالة في الولايات المتحدة بمقدار نصف نقطة مئوية أو أكثر مقارنة بأدنى مستوى سجله خلال الأشهر الـ12 السابقة.
ركود اقتصادي
ولكن هذا لم يحدث بعد، إذ إن ارتفاع معدلات البطالة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة إلى ما يتجاوز 4% سوف يكون المؤشر حتى يبدأ تطبيق هذا المبدأ على المستوى الوطني.
وبالنظر إلى قاعدة سهم من منظور مختلف، قال درو ماتوس، من شركة MetLife Investment Management، إنه تم تفعيلها بالفعل لبعض فئات العمال، بما في ذلك أولئك الحاصلون على شهادة الثانوية العامة أو أقل وغيرهم ممن هم على أعتاب التقاعد.
وقال كبير استراتيجيي السوق في شركة MetLife، والذي يتوقع أيضاً حدوث ركود في عام 2024: «إن معدلات البطالة تومض بشكل متزايد بعلامات تحذيرية».
علامة أخرى محتملة على ضعف السوق: يعمل العديد من الأميركيين لساعات أقل، إذ تظهر الأرقام التي جمعتها شركة إدارة الرواتب Automatic Data Processing أن العاملين بالساعة كمجموعة يقضون وقتاً أقل في العمل عما كانوا يفعلونه قبل الوباء.
أجور لا تواكب التضخم
وقالت كبيرة الاقتصاديين في ADP، نيلا ريتشاردسون، إنه ليس من الواضح ما إذا كان العمال يقومون بتقليص ساعات عملهم طوعاً أو ما إذا كانت الشركات تقوم بتقليص ساعات عمل الموظفين. ومهما كان السبب، فإن انخفاض أسبوع العمل يعني أن أجورهم الأسبوعية بالنسبة للعديد من العمال لا تواكب التضخم.
وفي حديثها في واشنطن الشهر الماضي، قالت رئيسة بنك الاحتياطي الفدرالي في سان فرانسيسكو، ماري دالي، إن خطر حدوث تراجع ضار في سوق العمل يبدو بعيداً، مضيفة: «لكن نظرا للسرعة التي تحدث بها تحولات سوق العمل تاريخيا، فهي مخاطرة يجب أن نأخذها في الاعتبار».