المتابع للأجواء الانتخابية، يلاحظ عدداً من المتغيرات التي صاحبت وتصاحب الانتخابات الثلاثة الأخيرة لمجلس الأمة أعوام 2022 و2023، والحالية 2024، وقد طرأت تلك المتغيرات على أكثر من صعيد في أساليب تواصل المرشحين من ناخبيهم.
أول هذه المتغيرات أن أغلب المرشحين اكتفوا بدواوينهم بدلاً من المقار الانتخابية التي عهدها الناخبون منذ زمن بعيد، والتي انطلقت بدءاً من الخيام في الساحات المختلفة بالدوائر الانتخابية كافة، وصولاً إلى قاعات الاحتفالات المؤقتة، حتى قاعات الاحتفالات في فنادق 5 نجوم.
ويعكس عدد التراخيص التي أصدرتها بلدية الكويت في الانتخابات الثلاثة الأخيرة تناقصاً يمكن وصفه بـ «الحاد» في إقامة المقار الانتخابية للمرشحين، فوفق البيانات المعلنة، نجد أن بلدية الكويت أصدرت في انتخابات «أمة 2022» نحو 187 ترخيصاً لإقامة مقار انتخابية، مقابل إصدار 128 ترخيصاً في انتخابات 2023، في حين لم تتجاوز تراخيص المقار المصدرة في الانتخابات الحالية نحو 86 مقراً حتى تاريخه، مع الأخذ في الاعتبار أن انتخابات مجلس 2020 (ديسمبر) لم تصدر بلدية الكويت أي ترخيص لإقامة المقار الانتخابية، نتيجة تزامن إجراء تلك الانتخابات مع جائحة كورونا (كوفيد- 19).
وتعود أسباب هذا الانخفاض وابتعاد المرشحين عن إقامة المقار الانتخابية، إلى عاملين رئيسيين، أولهما انخفاض عدد المرشحين الذي يقارب نحو 241 مرشحاً ومرشحة حتى الآن، مع استمرار باب التنازل مفتوحاً، والعامل الثاني، وربما يكون الأساسي، هو تقارب تكرار إجراء انتخابات مجلس الأمة في السنوات الثلاث الأخيرة، إذ أجريت انتخابات 2022 في شهر سبتمبر، تبعتها انتخابات مجلس 2023 في شهر يونيو، والانتخابات الحالية تُجرى في 4 أبريل المقبل.
وفي أوج هذه المتغيرات التي تفرضها الظروف على الساحة الانتخابية، تبقى «زيارة الدواوين» هي الشريان الرئيسي والحلقة الوثقى بين المرشحين والناخبين، إلا أنّ توقيت الانتخابات وضيق الوقت المتاح أمام المرشحين في زيارة أكبر عدد ممكن، نظراً لمحدودية ساعات اللقاءات في الدواوين، نسبة إلى أجواء شهر رمضان، دفع عدداً من المرشحين إلى محاولة التغلب على ضيق الوقت بتكثيف ظهورهم على منصات الإنترنت، لاسيما في البرامج الحوارية التي قد تمتد إلى نحو ساعتين، ومنها ما يُعرف بالـ «بودكاست»، نظراً إلى سرعة انتشارها وتداولها على نطاق واسع من الدائرة، وإن كانت تستهدف شريحة كبيرة من الناخبين، والتي ربما باتت «صرخة» انتخابات أمة 24، حيث حرص أغلب المرشحين على الظهور فيها عبر منصات مختلفة.
ونظراً إلى خصوصية شهر رمضان، وما يمتاز به من طابع مغاير عن بقية المواسم الأخرى، فقد نشطت ظاهرة «غبقات» المرشحين لاستقبال المهنئين، وفي الوقت نفسه قياس وتقييم مدى حظوظهم الانتخابية نسبة إلى الحضور قبل بدء الأسبوع الأخير من السباق الانتخابي، لتدارك ما يمكن تداركه في ظل ضيق الوقت الذي يُعد العائق الأبرز والتحدي الأكبر لجميع المرشحين، لاسيما للمرشحين الجدد والأعضاء السابقين من غير أعضاء المجلس الأخير (المجلس المنحل).
أما على صعيد الندوات الانتخابية للمرشحين، ففي وقت اكتفى بعض المرشحين بالظهور عبر وسائل الإعلام المختلفة وإعلان ما في جعبته من ملفات وقضايا يحملها، أعلن عدد آخر من المرشحين إقامة ندواتهم بدءاً من الأسبوع الجاري، ويظل آخرون في حالة ترقّب للدخول على الخط للإعلان عن ندواتهم قبيل إجراء الانتخابات بيوم أو يومين، لضمان إثارة القضايا التي يحملها، لا سيما قضية «الهوية الوطنية» التي اشتعلت الساحة الانتخابية بها، بعد بيان وزارة الداخلية لإعلان مباحث الجنسية تخصيص خط ساخن للإبلاغ عن مزوّري الجنسية ومزدوجيها، وما صاحبه من انقسام بين مؤيد ومعارض في أوساط المرشحين والناخبين، وأصبح زخم الوقود الانتخابي الذي طغى على ملف تحسين معيشة المواطنين بشكل عام بعد أن كان الحديث عنه طاغياً على الساحة البرلمانية والسياسية قبيل حل المجلس، ومع بداية الحملات الانتخابية حتى 15 الجاري، وقت صدور بيان «الداخلية» بشأن الجنسية.
ومن المتغيرات الأخرى، قلة انتشار إعلانات المرشحين التقليدية، وعلى رأسها الصحف ولوحات الإعلانات بالطرقات، مقارنة مع الانتخابات السابقة، واستبدالها عبر المنصات بمواقع التواصل المختلفة ذات الانتشار بين الناخبين.