لم يعد لهيب المواجهات المستمرة بين حزب الله وإسرائيل وحده الذي يلفح لبنان، فقد أصبح واضحاً أنه كلما طال أمد الحرب، اتسع الشرخ السياسي اللبناني وتعمق باتجاهات عدة، بعضها يتصل بقرار حزب الله الانخراط العسكري في مساندة غزة في ظل معارضة جزء كبير من اللبنانيين، وبعضها الآخر بسبب التوتر المتصاعد بين الثنائي الشيعي والقوى المسيحية بسب ملف انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فيما تطفو على ضفاف حرب الاستنزاف في الجنوب التي يبدو أنها ستستمر فترة غير قصيرة مشاكل أخرى اجتماعية واقتصادية.
ولا يزال حزب الله يصر على التزامه بقراره إبقاء جبهة الجنوب مفتوحة تحت شعار إسناد غزة، وهو موقف يعترض عليه معظم اللبنانيين الذين يتحسسون المخاطر، لا سيما مع إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على اجتياح رفح وربما بعدها نقل المعركة إلى الضفة الغربية أو لبنان، دون استبعاد أن يخوض حرباً في هاتين الساحتين في الوقت نفسه أو بالتدريج حسب الأولويات الإسرائيلية التي لا تبدو واضحة حتى الآن.
وتصل رسائل دولية واضحة إلى بيروت، تحذر لبنان من أن إسرائيل لن تسمح بأي انتصار لحزب الله وأن اصرارها على «الانتصار» في غزة يقابله إصرار لتكريس انتصار في لبنان سواء تم ذلك بالوسائل الدبلوماسية أو العسكرية، وهو ما يرفع منسوب القلق من تصعيد في المرحلة المقبلة.
ميدانياً، يرى البعض أن الضربات الإسرائيلية في العمق اللبناني، وآخرها امس الأول شمال بعلبك، تهدف إلى إحراج حزب الله الذي يريد تجنب أي رد يسهم في اندلاع حرب واسعة. أما على الشريط الحدودي فتمضي إسرائيل في تركيز ضرباتها بطريقة ممنهجة في بعض البلدات مثل بليدا وعيتا الشعب في مسعى إلى مسح مناطق كاملة في حال أراد الإسرائيليون التوغل براً إلى مسافة بعمق 5 كلم، وهذا ما يتحسب له حزب الله وكان قد تصدى في الأسابيع الماضية لثلاث محاولات تسلل للإسرائيليين.
وفي الوقت نفسه تعمل إسرائيل على أكثر من مسار تفاوضي واضعة شروطاً واضحة حول ضرورة انسحاب حزب الله وإبعاد أسلحته الثقيلة عن الحدود بناء على اتفاق.
وإلى جانب هذه المحاور تدور حرب سياسية من نوع آخر، وقد تكون ترجمتها العملية ما حصل في بلدة رميش المسيحية حيث رفض الأهالي محاولة مسلحي حزب الله إطلاق صواريخ من أراضي البلدة.
وتشير المعلومات إلى أن بلدات جنوبية أخرى إحداها بلدة الماري رفضت كذلك صواريخ حزب الله مما أدى إلى إشكالات بين الأهالي ومسلحي الحزب، لكن سرعان ما تمت معالجة الأمر بعيداً عن الإعلام. كما أفادت معلومات أخرى بوقوع إشكالات بين أهالي بعض البلدات الجنوبية وعناصر من «الجماعة الإسلامية» أرادوا إطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل.
وكان لافتاً قصف إسرائيل مركزاً إسعافياً في بلدة الهبّارية تابعاً لـ»الجماعة الإسلامية» المقرّبة من «حماس» أسفر عن سقوط سبعة قتلى، وهو ما رد عليه حزب الله بقصف كريات شمونة شمال إسرائيل مما أدى إلى مقتل مدني.
جانب آخر من إشكال رميش قد يكون مرتبطاً بالخلاف على المقاربات السياسية الداخلية، لا سيما في ظل بروز حركة مسيحية نشطة برعاية البطريركية المارونية لإنتاج «وثيقة بكركي» التي تهدف إلى إيجاد تقارب بين القوى المسيحية، وتقديم رؤية وطنية تركز على حياد لبنان عن صراعات المنطقة والالتزام بتطبيق القرارات الدولية، وهي إشارات سياسية يعتبر حزب الله أنها موجهة إليه. ولا يمكن فصل هذه الوثيقة السياسية عن خلاف حزب الله مع القوى المسيحية حول انتخابات رئاسة الجمهورية، وسط ارتفاع في النبرة الاعتراضية على أي رضوخ سياسي أو رئاسي لرغبات حزب الله، تحت وقع التهديد بالانفصال عن «جمهوريته».
الإشكالات على الأرض مع حزب الله، بالإضافة الى الخلاف السياسي والرئاسي المستمر معه، مرشحان للتفاقم أكثر في حال طال أمد الحرب والمواجهات، وهذا بحد ذاته ينذر بشر مستطير تبدي جهات عديدة تخوفها منه، لا سيما أنه يذكرها بفترة الانقسام التي سبقت الحرب الأهلية.