فتحت موافقة مجلس الوزراء، الأسبوع الماضي، على تأجيل الأقساط المستحقة على أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة الممولة من «صندوق المشروعات الصغيرة» لمدة 6 أشهر تبدأ من تاريخ انتهاء فترة التأجيل السابقة، البابَ لنقاش أوسع حول واقع المشروعات الصغيرة في البلاد بعد مرور 11 عاما على تأسيس الصندوق برأسمال بلغ مليارَي دينار.
وهذه هي المرة الخامسة التي يتم فيها تأجيل سداد أقساط أصحاب المشروعات التي يبلغ عددها 1091 مشروعا، وفق آخر تقرير لديوان المحاسبة 2022 - 2023، وبقيمة إجمالية 205 ملايين دينار، في حين بلغ عدد المتعثّرين بهذه المشاريع 71 مبادراً، مما يشير الى أن أزمة المشاريع الصغيرة في البلاد ليست مالية صرفة، إنما انعكاس لمعوقات بيئة الاستثمار في البلاد.
معضلتان
فما يعانيه المبادرون في الكويت لا يمكن حصره بجوانب التمويل أو تأجيل السداد السداد، فهذا رغم أهميته يُعدّ جانبا صغيرا من أزمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تعاني معضلتين أساسيتين؛ الأولى شح الأراضي المتوافرة للمشاريع، وبالتالي غلاؤها بما يجعل كلفة أي مشروع، خصوصا في القطاعات الصناعية أو الخدمية، مكلفا بشكل يهدد الربحية، فالاستمرارية، والثانية البيروقراطية الحكومية لدى العديد من وزارات الدولة التي تعيق تسهيل الأعمال الخاصة بالمبادرين، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بالتراخيص أو العمالة أو طلبات استيراد المواد الخام أو غيرها من المعاملات الحكومية.
أراضٍ صناعية
فوفق القانون رقم 98/ 2013 بشأن إنشاء صندوق باسم الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فإن الصندوق يحصل على أحقية تخصيص 10 بالمئة من أي أراضٍ صناعية تطرحها الدولة، حيث تكون مخصصة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، غير أن تباطؤ مشاريع البنية التحتية في العديد من المناطق الصناعية كالشدادية والنعايم والعارضية وميناء عبدالله و»مشروع الصفارين»، ساهم في تعقيد تخصيص الأراضي على المبادرين، حتى باتت تكلفة الأرض أو إيجاراتها تلتهم رأسمال المشروع كاملا، أو نسبة كبيرة منه، وهذه حالة نادرة قد لا تحدث إلا في الكويت بأن تكون الأرض الصناعية، وهي بالأصل حكومية، مرتفعة السعر بشكل حاد بسبب عوامل الاحتكار للأراضي القائمة، وبطء التنفيذ والتخصيص للأراضي الجديدة. صعوبة الأعمال
أما فيما يتعلق بالبيروقراطية، فمع أن الكويت خرجت منذ عام 2018 من مؤشر التنافسية العالمي (دافوس)، إلا أنها عادت عام 2022 عبر مؤشر مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD) لتحتل الترتيب الـ 42 عالمياً والخامس خليجيا - سلطنة عمان ليست في المؤشر - في كفاءة مناخ الأعمال، و26 عالمياً والخامس خليجياً في كفاءة الحكومة، و49 عالمياً والخامس خليجياً في البنية التحتية، وهذه مؤشرات توضح مدى سهولة الأعمال في عدد من دول الإقليم، مقارنة بصعوبتها محليا.
الاستقرار الإداري
وبنظرة أكثر تفصيلا، يعاني صندوق المشروعات الصغيرة إخفاقات عديدة انعكست على استقراره الإداري، مثل تعاقب 7 مديرين للصندوق خلال 11 عاما كأقل جهة حكومية استقرارا من حيث الإدارة التنفيذية أو تقييم جودة المشاريع التي تم تمويلها ومدى ملاءة المبادر للسداد لذلك، فإنّ تأجيل السداد لخامس مرة منذ جائحة كورونا يعبّر عن نظرة قاصرة أو محدودة في دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي يحتاج أصحابها الى ما هو أعمق من مجرد التأجيل أو إعادة التمويل المتوقف أصلا في الصندوق منذ 4 سنوات.
فشل الأهداف
ورغم أن الخطة الاستراتيجية للصندوق نفسه تستهدف تمويل 600 مشروع صغير ومتوسط في العام الواحد، فإنّ معدل المشاريع التي يمولها الصندوق سنويا بلغ 99 مشروعا فقط، أي 16.5 بالمئة فقط من أهدافه، كما أنفق الصندوق 205 ملايين دينار خلال 11 سنة، أي ما يعادل 10 بالمئة فقط من رأسمال الصندوق البالغ مليارَي دينار، ولم يبيّن أي إفصاح للصندوق مدى التزام المشاريع الممولة بتوفير فرص وظيفية للعمالة الوطنية، وهي من 1 إلى 50 موظفا كويتيا في كل مشروع صغير أو متوسط، وفقا لقانون الصندوق. عبء دولة الهيئات
وهذه الأرقام تشير الى أن الصندوق تحوّل اليوم الى عبء على الاقتصاد والمشاريع والمبادرين كحال العديد من «دولة الهيئات» التي أسست قبل نحو 15 عاما مضت، ففشل صندوق المشروعات الصغيرة مقارب لفشل متكرر في العديد من الهيئات الأخرى اعترفت الحكومة ببعضه؛ كهيئة الطرق، وتسعى لإعادة هيكلة بعضه الآخر كهيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والجهاز الفني لمشاريع التخصيص، أو العمل على دمج الجهاز المركزي لتكنولوجيا المعلومات الذي يضم اختصاصات شبه متطابقة مع اختصاصات الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات، أو انتهت من دمج المتشابه في كيان واحد كدمج برنامج إعادة هيكلة القوى العاملة مع الهيئة العامة للقوى العاملة، وفي كل الأحوال، فإن معظم هذه الأجهزة والهيئات أسست بغرض تجاوز البيروقراطية الحكومية وتعزيز التخصص ورفع مستوى الخدمة، إلا أن مآلها كان التعثّر.
سوق رديف
ولا يزال المجال متاحاً للعمل على تحقيق الغرض الأساسي من صندوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو خلق سوق عمل رديف يخفف عبء ضغط الوظائف في القطاع العام ليعالج واحدا من أصعب اختلالات الاقتصاد الكويتي، لكن هذه المعالجة تحتاج فهما حكوميا أعمق لمشكلات المشروعات الصغيرة، وهي بالتأكيد لا تنحصر بالجانب المالي، بل بتطوير بيئة الاستثمار من خلال توفير الأراضي لإقامة المشاريع والحد من البيروقراطية التي تعطل الأعمال.
وهذه هي المرة الخامسة التي يتم فيها تأجيل سداد أقساط أصحاب المشروعات التي يبلغ عددها 1091 مشروعا، وفق آخر تقرير لديوان المحاسبة 2022 - 2023، وبقيمة إجمالية 205 ملايين دينار، في حين بلغ عدد المتعثّرين بهذه المشاريع 71 مبادراً، مما يشير الى أن أزمة المشاريع الصغيرة في البلاد ليست مالية صرفة، إنما انعكاس لمعوقات بيئة الاستثمار في البلاد.
معضلتان
فما يعانيه المبادرون في الكويت لا يمكن حصره بجوانب التمويل أو تأجيل السداد السداد، فهذا رغم أهميته يُعدّ جانبا صغيرا من أزمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تعاني معضلتين أساسيتين؛ الأولى شح الأراضي المتوافرة للمشاريع، وبالتالي غلاؤها بما يجعل كلفة أي مشروع، خصوصا في القطاعات الصناعية أو الخدمية، مكلفا بشكل يهدد الربحية، فالاستمرارية، والثانية البيروقراطية الحكومية لدى العديد من وزارات الدولة التي تعيق تسهيل الأعمال الخاصة بالمبادرين، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بالتراخيص أو العمالة أو طلبات استيراد المواد الخام أو غيرها من المعاملات الحكومية.
أراضٍ صناعية
فوفق القانون رقم 98/ 2013 بشأن إنشاء صندوق باسم الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، فإن الصندوق يحصل على أحقية تخصيص 10 بالمئة من أي أراضٍ صناعية تطرحها الدولة، حيث تكون مخصصة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، غير أن تباطؤ مشاريع البنية التحتية في العديد من المناطق الصناعية كالشدادية والنعايم والعارضية وميناء عبدالله و»مشروع الصفارين»، ساهم في تعقيد تخصيص الأراضي على المبادرين، حتى باتت تكلفة الأرض أو إيجاراتها تلتهم رأسمال المشروع كاملا، أو نسبة كبيرة منه، وهذه حالة نادرة قد لا تحدث إلا في الكويت بأن تكون الأرض الصناعية، وهي بالأصل حكومية، مرتفعة السعر بشكل حاد بسبب عوامل الاحتكار للأراضي القائمة، وبطء التنفيذ والتخصيص للأراضي الجديدة. صعوبة الأعمال
أما فيما يتعلق بالبيروقراطية، فمع أن الكويت خرجت منذ عام 2018 من مؤشر التنافسية العالمي (دافوس)، إلا أنها عادت عام 2022 عبر مؤشر مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD) لتحتل الترتيب الـ 42 عالمياً والخامس خليجيا - سلطنة عمان ليست في المؤشر - في كفاءة مناخ الأعمال، و26 عالمياً والخامس خليجياً في كفاءة الحكومة، و49 عالمياً والخامس خليجياً في البنية التحتية، وهذه مؤشرات توضح مدى سهولة الأعمال في عدد من دول الإقليم، مقارنة بصعوبتها محليا.
الاستقرار الإداري
وبنظرة أكثر تفصيلا، يعاني صندوق المشروعات الصغيرة إخفاقات عديدة انعكست على استقراره الإداري، مثل تعاقب 7 مديرين للصندوق خلال 11 عاما كأقل جهة حكومية استقرارا من حيث الإدارة التنفيذية أو تقييم جودة المشاريع التي تم تمويلها ومدى ملاءة المبادر للسداد لذلك، فإنّ تأجيل السداد لخامس مرة منذ جائحة كورونا يعبّر عن نظرة قاصرة أو محدودة في دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي يحتاج أصحابها الى ما هو أعمق من مجرد التأجيل أو إعادة التمويل المتوقف أصلا في الصندوق منذ 4 سنوات.
فشل الأهداف
ورغم أن الخطة الاستراتيجية للصندوق نفسه تستهدف تمويل 600 مشروع صغير ومتوسط في العام الواحد، فإنّ معدل المشاريع التي يمولها الصندوق سنويا بلغ 99 مشروعا فقط، أي 16.5 بالمئة فقط من أهدافه، كما أنفق الصندوق 205 ملايين دينار خلال 11 سنة، أي ما يعادل 10 بالمئة فقط من رأسمال الصندوق البالغ مليارَي دينار، ولم يبيّن أي إفصاح للصندوق مدى التزام المشاريع الممولة بتوفير فرص وظيفية للعمالة الوطنية، وهي من 1 إلى 50 موظفا كويتيا في كل مشروع صغير أو متوسط، وفقا لقانون الصندوق. عبء دولة الهيئات
وهذه الأرقام تشير الى أن الصندوق تحوّل اليوم الى عبء على الاقتصاد والمشاريع والمبادرين كحال العديد من «دولة الهيئات» التي أسست قبل نحو 15 عاما مضت، ففشل صندوق المشروعات الصغيرة مقارب لفشل متكرر في العديد من الهيئات الأخرى اعترفت الحكومة ببعضه؛ كهيئة الطرق، وتسعى لإعادة هيكلة بعضه الآخر كهيئة الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والجهاز الفني لمشاريع التخصيص، أو العمل على دمج الجهاز المركزي لتكنولوجيا المعلومات الذي يضم اختصاصات شبه متطابقة مع اختصاصات الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات، أو انتهت من دمج المتشابه في كيان واحد كدمج برنامج إعادة هيكلة القوى العاملة مع الهيئة العامة للقوى العاملة، وفي كل الأحوال، فإن معظم هذه الأجهزة والهيئات أسست بغرض تجاوز البيروقراطية الحكومية وتعزيز التخصص ورفع مستوى الخدمة، إلا أن مآلها كان التعثّر.
سوق رديف
ولا يزال المجال متاحاً للعمل على تحقيق الغرض الأساسي من صندوق المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو خلق سوق عمل رديف يخفف عبء ضغط الوظائف في القطاع العام ليعالج واحدا من أصعب اختلالات الاقتصاد الكويتي، لكن هذه المعالجة تحتاج فهما حكوميا أعمق لمشكلات المشروعات الصغيرة، وهي بالتأكيد لا تنحصر بالجانب المالي، بل بتطوير بيئة الاستثمار من خلال توفير الأراضي لإقامة المشاريع والحد من البيروقراطية التي تعطل الأعمال.