مع ارتفاع سخونة الأجواء الانتخابية لأمة «2024» واقتراب موعدها في 4 أبريل المقبل ينطوي هذا الاستحقاق على كثير من التوقعات والترقب وذلك لأهمية مخرجاتها في هذه المرحلة المهمة من تاريخ التجربة السياسية لتحقيق آمال المواطنين وتطلعاتهم.
ولتحصين نزاهة الانتخابات وضمان سلامتها، تأتي جهود وزارة الداخلية والجهات المعنية لمكافحة الظواهر السلبية التي تؤثر على الإرادة الشعبية والوقوف لها بالمرصاد ومنها شراء الأصوات والانتخابات الفرعية.
وبلا شك فإن حالات «شراء الأصوات» هي رشوة وجريمة يُعاقب عليها قانون الانتخاب والتي من شأنها خدش حيادية العملية الانتخابية ونزاهتها وهي تعني بيع الضمير وتمس القابل بها والساعي من أجلها والوسيط بينهما في الوقت الذي تقوم وزارة الداخلية وكل الجهات المعنية في البلاد بكشفها وملاحقة مرتكبيها بما يضمن سلامة الانتخابات ومخرجاتها.
وينطبق الأمر ذاته على الانتخابات الفرعية التي تُعتبر تلاعباً بإرادة الشعب وتهديداً لأركان الدولة المدنية من خلال افراز ما يسمى بمرشحي الاجماع لتعزيز العصبية القبلية والفئوية على حساب المواطنة.
بالإضافة الى ذلك تؤثر الفرعيات أيضاً في إحدى صورها السلبية على المرأة الكويتية سياسياً وذلك لارتباطها بطابع اقصائي يعيق وصولها للبرلمان.
«ولأن الأمة مصدر السلطات» دأبت القيادة السياسية دوماً على ضرورة حسن الاختيار لمن يُمثّل هذه الأمة تحت قبة البرلمان وقد أكدت في أكثر من مناسبة «تمسكها بالدستور واعتبار الشعب صاحب الكلمة المسموعة في تقرير مصيره» كما جاء في الخطاب السامي الذي ألقاه حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه حينما كان وليا للعهد نيابة عن الأمير الراحل الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح في 17 أبريل 2023 وأيضاً كما جاء في خطاب 22 يونيو 2022 «على أن يقوم الشعب بنفسه ليقول كلمة الفصل في عملية تصحيح مسار المشهد السياسي من جديد باختيار من يمثله الاختيار الصحيح والذي يعكس صدى تطلعات وآمال الشعب».
وتنفيذاً لتوجيهات القيادة حرصت الحكومة على حماية الممارسة الديمقراطية من خلال محاربتها لشراء الأصوات والانتخابات الفرعية تمثلت في اصدار قوانين تجرم هذه الأفعال التي من شأنها الاخلال بالعملية الانتخابية.
وجاء مرسوم انتخابات مجلس الأمة 2024 متضمناً عقوبات لشراء الأصوات والمشاركة بالفرعيات «يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن ألفي دينار ولاتزيد عن خمسة آلاف أو بإحدى هاتين العقوبتين» لكل من استعمل القوة أو التهديد لمنع ناخب من استعمال حقه لغيره ليحمله على التصويت على وجه معين أو على الامتناع عن التصويت.
وتشمل العقوبة «كل من تحايل علانية بأي وسيلة من وسائل الإعلام أو النشر أو خفية برسائل أو اتصالات هاتفية أو عن طريق وسطاء لشراء أصوات الناخبين إغراء بالمال أو أعطى أو عرض أو تعهد بأن يُعطي ناخباً شيئاً من ذلك ليحمله على التصويت على وجه معين أو الامتناع عن التصويت وأيضاً كل من قبل أو طلب فائدة من هذا القبيل لنفسه أو لغيره وكل من نظم أو اشترك في تنظيم انتخابات فرعية أو دعا إليها».
ومن منطلق الواجب الوطني، خصص قطاع الأمن الجنائي بوزارة الداخلية، خطاً ساخناً «97272672» للتواصل مع المواطنين للإدلاء بكل المعلومات الجدية بخصوص انتخابات مجلس الأمة 2024 وعمليات شراء الأصوات، وأي حالات مخالفة للقانون، تجسيداً لمقولة «كل مواطن خفير»، مع التأكيد أن التعامل مع المعلومات المرسلة سيكون بسرية تامة.
وبهذا الشأن، قال أستاذ الشريعة في جامعة الكويت الدكتور علي العنزي لـ «الجريدة» إن شراء الأصوات إحدى صور الرشوة الهادمة للمجتمعات وجريمة سياسية اجتماعية ومن كبائر الذنوب وقد تكون بشكل مادي أو معنوي أي بدفع المال أو تقديم خدمة للحصول على صوت الناخب في الانتخابات.
وأوضح العنزي أن شراء الأصوات من أخطر أنواع الرشوة لأنها توصل من لا يستحق إلى مكان يستحقه غيره وتجعله يؤثر سلباً على مصائر العباد والبلاد وهي مجرمة بالقانون الذي يعاقب المرتشين والقابلين والدافعين والوسطاء ومحرمة بالشرع مستشهداً بقول النبي «ص» «لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما».
وعن الفرعيات أكد أنها مجرمة أيضا بالقانون وأقل ما يُقال عنها إنها مذمومة شرعاً وترسخ مفاهيم العنصرية والطائفية والفئوية وتجعل الإنسان يعمل في نطاق المصالح الضيقة بعيداً عن مصالح الوطن والمواطنين.
وأوضح أن «الفرعيات» تسمى أيضاً التشاوريات وهذا احتيال ومحاولة للالتفاف على المصطلح لكنها في جوهرها هي نفسها محذّراً من أنها سلوك ينخر في المجتمع وباصطفافه وبولاء المواطنين لوطنهم ليصبح الولاء للعنصريات الضيقة للقبيلة أو الطائفة، وهي مجرمة قانوناً ومحرمة شرعاً ومذمومة عقلاً وسلوكاً حيث يقول الله عز وجل «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان».
من جانبه، قال رئيس جمعية الشفافية الكويتية ماجد المطيري إن شراء الأصوات والفرعيات من الجرائم الانتخابية التي نص عليها قانون الانتخاب ومن الأعمال والأفعال التي تخدش حيادية ونزاهة العملية الانتخابية وظاهرة غير صحية تضر بالعملية الانتخابية والإرادة الشعبية.
وأضاف المطيري أن جمعية الشفافية تراقب الانتخابات منذ صدور مرسوم الدعوة حتى إعلان النتائج النهائية للتأكد من عدم وقوع هذه الجرائم وتحرص على إدلاء الناخبين بأصواتهم بكل حيادية ونزاهة حيث راقبت جمعية الشفافية الانتخابات منذ عام 2008 وأي مراقبة للانتخابات تكون وفق قانون الانتخاب والمعايير الدولية.
ولفت إلى التعاون الممتد مع الجهات الحكومية ذات الصلة مثل الهيئة العامة لمكافحة الفساد «نزاهة» وفي كل عام نعلن عن خط هاتف للتواصل المباشر مع الجمهور للتبليغ عن مثل هذه الجرائم.
وأوضح «أننا مستمرون في متابعة الانتخابات والإبلاغ عن الحالات التي تصلنا ولله الحمد بعد نشاط وزارة الداخلية في مكافحة هذه الظاهرة وأيضا هيئة «نزاهة» بدأ عدد البلاغات يقل من 20 في المئة في 2016 حتى وصل إلى 5 في المئة في عام 2023 وهذا بفضل جهود رجال الداخلية والهيئة.
ولفت المطيري إلى ضرورة إجراء تعديلات تشريعية من شأنها تعزيز عملية مكافحة شراء الأصوات والانتخابات الفرعية وتعاون مختلف الجهات المعنية ومنها مؤسسات المجتمع المدني بما يكفل ضبط عملية شراء الأصوات ومكافحتها بصورة متكاملة وبلا أي مثالب.
وأعرب عن الشكر لوزارة الداخلية على جهودها وحملاتها التي أدت إلى صدور أحكام «تمييز» مغلظة على من قام بإجراء انتخابات فرعية مما جعل الكثيرين يعزفون عن المشاركة في الفرعيات وبإذن الله وبجهود وزارة الداخلية ستختفي هذه الظاهرة تماماً من المجتمع.
وأشار إلى أن جمعية الشفافية قامت بالإبلاغ عن الكثير من الحالات في أعوام 2012 و2013 و2016 و2020 مباشرة لوزارة الداخلية بحكم أنها الجهة المعنية بتنفيذ القانون وتملك الضبطية القضائية، مبيناً أن الجمعية وكعادتها أطلقت هذا العام حملة بعنوان «الديرة أمانة» بهدف التأكد من نزاهة العملية الانتخابية وستقوم الجمعية بضم عدد من المتطوعين ووصل العدد حتى الآن إلى 80 متطوعاً ونتوقع أن يزداد العدد.
وعن جهود جمعية الشفافية، قال إن الجمعية ستصدر تقريراً محلياً ودولياً عن الانتخابات يرصد المظاهر الانتخابية والتنظيم محلياً بينما يرصد التقرير الدولي الأطر الديمقراطية داخل البلد وعنصر التنوع والساحة السياسية وتمثيلها، مبيناً أن أي مراقبة للانتخابات تكون وفق قانون الانتخاب والمعايير الدولية وأفاد «بأننا بانتظار موافقة مجلس الوزراء لاستضافة فريق دولي لمراقبة الانتخابات».
بدوره، قال رئيس جمعية المحامين الكويتية المحامي شريان الشريان إن شراء الأصوات ظاهرة مذمومة وغير أخلاقية وجريمة بحق الوطن والمواطن، معتبراً إيّاها خيانة عظمى من الراشي والمرتشي لوطنهم بارتكابهم هذه الأفعال المشينة التي من شأنها الأضرار بمصالح البلد وتشويه الديمقراطية الكويتية.
وأكد الشريان أنه يجب على المجتمع محاربة هذه الظاهرة ووقفها وطمس معالمها بشكل دائم حتى يكون لدينا مجالس متميزة تشريعية ونواب من أصحاب العقول النيرة وأصحاب الشجاعة البينة والطرح المتوازن الذي ينفع الدولة.
وفيما يخص الفرعيات، أوضح الشريان أنها جريمة سياسية تستوجب تطبيق عقوبات لها طابع سياسي «كالعزل مثلاً» ضد كل من يُدان بحريمه لها علاقة بالانتخابات الفرعية ومنعه من الترشح لمدة يحددها المشرع.
وعن دور جمعية المحامين الكويتية بتوعية المجتمع أوضح أن الجمعية تقيم ندوات وورش عمل لتوعية المجتمع وترقيته فكريا لمواجهة شراء الأصوات والفرعيات والتصدي لها حتى يكون المجتمع واعي وقادر على إيصال مرشح ذو كفاءة من خلال أفكاره وليس من خلال عدد أفراد قبيلته أو طائفته.
وقال «نريد مجتمع واعي يحارب الظواهر السلبية كشراء الأصوات والفرعيات بالإضافة إلى مكافحة الحسابات الوهمية وماينشر فيها من أخبار مضللة وابتزاز»، مؤكداً على أهمية تظافر الجهود حتى نواجه هذه الظواهر السلبية التي من شأنها الاضرار بمجتمعنا ومستقبلنا.