كثير من دول العالم تحاول تحسين الأداء الوظيفي لموظفيها بطرق عدة، وإحدى هذه الطرق إجراء الاختبارات الدورية النظرية والعملية (الميدانية)، أي كل سنة أو كل سنتين أو كل خمس سنوات، للتأكد من أن الموظف ما زال نشيطا ذهنياً وجسمانياً، وأنه قادر على أداء مستلزمات وظيفته على أكمل وجه، ومن أهم الوظائف أو المهن التي تقوم بعض الدول بالطلب من ممتهنيها اجتياز اختبارات ميدانية الطيارون والمهندسون والمدرسون والمحاسبون والمحامون، وهناك مهن أخرى تندرج ضمن هذه القائمة حسب حساسيتها أو أهميتها.
وأعرف أنه في الكويت هناك مهنتان يجتاز ممتهنوهما اختبارات ميدانية دورية مثل الطيارين وبعض المهندسين، ولا أدري إن كانوا مستمرين على هذا المنوال أم أن الحبل ترك على الغارب ليكون حال هاتين المهنتين كحال المهن الأخرى من الإهمال والتسيب.
وقد جرت العادة عندما يتقدم أحدهم لوظيفة- أي وظيفة– يقدم ضمن أوراق سيرته الذاتية شهاداته العلمية أو الدراسية للتأكد من أنها غير مزورة، وأنها صادرة من جامعة أو كلية معترف بها، ثم بعد ذلك يمتحن نظرياً أو ميدانياً للتأكد من أنه نال النجاح العلمي أو الأكاديمي بجدارة واستحقاق وليس بالغش، وإذا ما نجح في هذه الاختبارات تتم عملية اختيار الأفضل بين الناجحين، إلا أنه في غالب مؤسسات الدولة لا تتم هذه العملية المنطقية في اختيار الأفضل والأنسب، بل تدخل فيها الواسطة المتمثلة بالطائفية والقبلية والطبقية، التي تدوس في بطن المعايير الدولية أو المنطقية في اختيار الموظف.
في بعض مؤسسات الدولة يحدث نقيض المنطق، أو عكس الناس، فالموظف يحصل على الوظيفة وبعدها بسنوات يطلب منه فحص شهاداته العلمية أو الدراسية، أو بعدها يتم امتحانه عملياً للتأكد من أنه (Fit) ومناسب للوظيفة، وقد أصدر وكيل مساعد بوزارة التربية تعميماً بشأن فحص الشهادات الدراسية للموظفين المواطنين والمقيمين، وحصر أسماء وبيانات جميع العاملين بالوزارة ممن يحملون مؤهلات علمية فوق الثانوية العامة وحصلوا عليها من أول سنة 2000، وحتى يومنا هذا من الموظفين الكويتيين وغير الكويتيين، أي خلال فترة امتدت لربع قرن من الزمن، وهذا القرار الوزاري يؤكد أن في وزارة التربية وحدها مئات من الشهادات المزورة أو غير المعترف بالكليات أو الجامعات المانحة لها توظف أصحابها بطرق غير قانونية، وإذا كان هذه هي حال وزارة التربية فما بالك بالوزارات الأخرى في الدولة، ناهيك عن الهيئات العامة وشركات القطاع الخاص؟
وخلال السنوات الأربع الماضية تمكنت جمعية المهندسين الكويتية من الكشف عن مئات الشهادات المزورة في مجال الهندسة، وفي أبريل من السنة الماضية أكد رئيس مجلس إدارة جمعية المهندسين أن الجمعية مستمرة في الكشف عن الشهادات المزورة في قطاع الهندسة، أو تتبع مؤهلات غير صحيحة مقدمة من حامليها من أجل اعتمادها، وقد أحيلت كلها إلى لجان تحقيق لدى جهات قانونية لاتخاذ الإجراءات اللازمة في حقها.
الغريب في الأمر أن بقية وزارات الدولة لم تحرك ساكناً للكشف عن الشهادات المزورة، كما أنه من بين عشرات جمعيات النفع العام المهنية الكويتية كانت جمعية المهندسين وجمعية الطيارين الوحيدتين الملتزمتين بفحص شهادات المنتسبين إليها.